[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/alibadwan.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]علي بدوان[/author]
”لقد سقط ما يُسمى بــ"اليسار الإسرائيلي" في الاختبار الأخلاقي والقيمي، وفي الاختبار السياسي أيضا، وسقط معه قناع الزيف الذي طالما رفعه العديد من أحزاب هذا اليسار عند الحديث عن الحلول السياسية على أساس قرارات الشرعية الدولية، ليتبين في حقيقة الأمر أن جوهر موقفها يبتعد عن الشرعية الدولية، ولا يختلف في نهاية الأمر، عن مواقف عتاة حزب الليكود، وعموم أحزاب الخريطة السياسية في دولة الاحتلال.”

يسود الصمت المُطبِق مواقف ما يُسمى بأحزاب "اليسار الإسرائيلي" تجاه ممارسات حكومة نتنياهو وجيش الاحتلال، الذي أطلق النار على مسيرات العودة الفلسطينية عند حدود الفاصلة بين قطاع غزة وفلسطين المحتلة عام 1948 على المدنيين من المواطنين الفلسطينيين أثناء فعالياتهم السلمية.
الصمت يسود في ظل تماهي تلك القوى المحسوبة على صف "اليسار الإسرائيلي" مع سياسات نتنياهو والائتلاف الحكومي اليميني، بل وفي تبرير البعض من قيادات ذاك اليسار لسلوك جيش الاحتلال، والاستخدام الكثيف للسلاح الناري في مواجهة المدنيين العُزّل.
إنَّ الصمت الذي قوبلت به المجزرة التي ارتكبها "الحيش الإسرائيلي" على حدود قطاع غزة من قبل تلك الأحزاب المحسوبة على المعارضة في دولة الاحتلال، يُشير بوضوح إلى تغيير في الأجندة الداخلية لــ"السياسة الإسرائيلية" التي لم يَعُد الموضوع الفلسطيني وقضية الاحتلال في رأس سلم أولوياتها في ظل الدفق غير المسبوق من الإسناد الأميركي لسياسات نتنياهو وللسياسات "الإسرائيلية" بشكل عام، كما ظهر وبان في جلسة مجلس الأمن الدولي التي فشلت في التوصل لقرار بشأن ممارسات جيش الاحتلال في مواجهة الفعاليات الشعبية السلمية الفلسطينية، واستخدام السلاح الناري ضد المدنيين العزل وقتل أعداد منهم، وكان الفشل بسبب من موقف مندوبة الولايات المتحدة في المجلس.
لقد بدت زعيمة الحزب اليساري "الإسرائيلي" الأكبر، والمحسوب على المعارضة (حزب ميرتس) الجديدة (تمارا زاندبرج)، التي طالبت بتشكيل لجنة تحقيق في عمليات قتل المدنيين من قبل الجيش الإسرائيلي على حدود القطاع، بدت وصوتها يتحشرج في تصريحاتها الأخيرة عبر وسائل الإعلام "الإسرائيلية"، كما وبدت كمن يُغرد خارج السرب في دولة تتعمق فيها كل يوم حضور وسطوة قوى اليمين واليمين الفاشي، أفكار المستوطنين الذين يسعون إلى ترسيخ أفكارهم وأيديولوجيتهم في الحيز العام "الإسرائيلي"، وقد استطاعوا بالفعل تحقيق ذلك من خلال حكومة اليمين المُتطرف برئاسة بنيامين نتنياهو.
صمت "اليسار الإسرائيلي" عمليا، وغيابه الكامل، فيما يتعلق بالموضوع الفلسطيني وسلوك جيش الاحتلال مع المتظاهرين السلميين واستهدافهم بالسلاح الناري، هو نوع من الموافقة، بل والمباركة الصامتة، لنهج اليمين الصهيوني الديني المتطرف وحكومة نتنياهو، والذي بات يحظى بحضور طاغٍ في الشارع والمجتمع "الإسرائيلي" ومعه سياسات الاستيطان والتهويد ومصادرة الأرض الفلسطينية، وهي السياسات النافذة في مختلف دوائر التأثير وصناعة القرار العسكري والسياسي في "إسرائيل".
الأحداث الأخيرة على الخط الفاصل بين القطاع وفلسطين المحتلة عام 1948، وقتل المواطنين العزل، والمتظاهرين السلميين، ليست المؤشر الوحيد على التغيير الحاصل في أجندة المجتمع "الإسرائيلي"، فقد اصطف اليمين واليسار الصهيوني معا في "مهرجان" التهليل والتأييد والتطبيل لقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالإعلان عن القدس عاصمة لــ"إسرائيل" واعتزامه نقل السفارة الأميركية إليها، ولم يُحرّك هذا "اليسار الإسرائيلي" موقفه في ظل انهيار وتدمير مابات يُعرف بــ"حل الدولتين"، بل بالعكس فإنه (أي هذا اليسار) يَصمُت أيضا عن نهج حكومة نتنياهو بتمرير سياسة الضم الزاحف للضفة الغربية والقدس، وتلك الممارسات والسياسات تُشَكّل المقتل الحقيقي لــ"حل الدولتين" الذي تطالب به تلك الأحزاب خشية من مشروع الدولة الواحدة على أرض فلسطين.
إنَّ نفاق هذا "اليسار الإسرائيلي" بات فاقعا، حين يقول البعض من رموزه عن سياسات الاستيطان "إنَّ المستعمرات هي محل خلاف بين الفلسطينيين وإسرائيل"، وبذا فإنه لا يرفض ولا يُدين تلك السياسات التي أكلت الأخضر واليابس وابتلعت الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967، بل إنَّ بعضا من ذلك "اليسار الإسرائيلي" احتفل بمنح "جائزة إسرائيل" للمستوطن (يهود هرئيل) لدوره في مجال الاستيطان، وهو من مؤسسي (مستعمرة) هاروم هاجولان فوق أراضي الجولان العربي السوري المحتل. وكانت تلك الجائزة قد مُنِحَت العام الماضي للمستوطن (دافيد بئيري)، سكرتير عام جمعية (إلعاد) الاستيطانية التي تَنشَط في مجال تهويد القدس المحتلة وإقامة المستعمرات فيها وحولها.
لقد سقط ما يُسمى بــ"اليسار الإسرائيلي" في الاختبار الأخلاقي والقيمي، وفي الاختبار السياسي أيضا، وسقط معه قناع الزيف الذي طالما رفعه العديد من أحزاب هذا اليسار عند الحديث عن الحلول السياسية على أساس قرارات الشرعية الدولية، ليتبين في حقيقة الأمر أن جوهر موقفها يبتعد عن الشرعية الدولية، ولا يختلف في نهاية الأمر، عن مواقف عتاة حزب الليكود، وعموم أحزاب الخريطة السياسية في دولة الاحتلال.
وفي هذا السياق، أرسل الشعب الفلسطيني رسائله الساخنة في يوم الأرض ومسيرات العودة، واقتراب ذكرى النكبة، اليوم الجمعة 6 نيسان ـ ابريل 2018، عبر الفعاليات الواسعة على أرض فلسطين التاريخية، من القطاع إلى الضفة الغربية والقدس إلى الجليل والمثلث. رسائله التي قال فيها "سوف يبقى الأمل مشعا طالما بقي في فلسطين من يخرج إلى جيش الاحتلال الإسرائيلي المُدجج بالسلاح شاهرا دمه.. حتى النصر"، ويُرَدّد "لو أنَّا على حجر ذبحنا لن نقول نعم لصفقة القضاء على حقوقنا الوطنية والتاريخية".
وبعيدا عن صمت هذا "اليسار الإسرائيلي" وأكذوبة وجوده، يواصل الفلسطينيون التحرك في الداخل على أرض فلسطين، في مسيرات العودة، وفي إحياء ذكرى نكبتهم، وهذا يعني أن الصراع لن يتوقف مع الاحتلال، ولن توقفه ما يُسمى بــ"صفقة القرن". فنشطاء في العمل الاجتماعي والتعليمي، والمثقفون، والأكاديميون، والأدباء، وعموم قطاعت الشعب الفلسطيني، جميعهم في جهد متواصل، يهدف إلى تأكيد الحق الفلسطيني، واسترداد الرواية الفلسطينية، التي تربط الأجيال الجديدة بحسٍّ تاريخي جماعي، حين ينخرط شباب وشابات في برامج تواصل مع أقرانهم في جميع تجمعات الشعب الفلسطيني في الشتات. فمبادرات الزحف في مسيرات عودة إلى فلسطين تتواصل وتنقل معها الرواية التاريخية، والفكرة، والحق، من جيل إلى جيل، حيث لا يموت الحق بالتقادم، ولا يُلغيه تَجَبّر ظالم.
في فلسطين، تعلو اليوم أصوات صرخات العدل والحرية، صرخات لاجئي فلسطين في القطاع والضفة وكل مكان، صرخات الغضب والاحتجاج على تواطؤ النظام العالمي الذي فَقَدَ كل ما تبقى من قيم أخلاقية وإنسانية، مع نظام الاستعمار الكولونيالي الصهيوني.