[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/adelsaad.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عادل سعد[/author]
”لقد أطاح الرئيس الأميركي (ترامب) بالمشروع الصحي الذي أنجزه الرئيس السابق باراك أوباما بعد أن اجتاز عدة كمائن أشدها ما حدث في الكونجرس الأميركي, وهناك الآن غضب لدى الرأي العام الأميركي ضمن أغلبيته الواضحة إزاء ما فعله ترامب, لأن أوباما أراد تسهيل الخدمة الطبية من أجل الفقراء والمشردين وأصحاب الدخول المالية المحدودة.”

لست ناطقا مخولا باسم منظمة الصحة العالمية لأنتقد دولا أهملت ما أعلنته هذه المنظمة باعتبار سنة 2018 (عام الصحة للجميع), بمناسبة يومها السنوي في السابع من نيسان ـ أبريل الحالي, وأربأ بنفسي أن أكون واعظا على غرار الوعاظ الذين يحاولون إيهام الرأي العام بجدوى الصحة العلاجية والتحصن بها, ولست من المروجين لهموم الأطباء بوصفهم نخبا ينبغي السكوت على هفواتهم, وهي عديدة إذا نكث هؤلاء الأطباء بقسم أبقراط.
على أي حال الصحة للجميع هو أحد الحقوق الإنسانية التي لا يمكن التفريط بها لأية ذريعة كانت, والسؤال هنا: هل لهذا الشعار منزلته الميدانية التطبيقية في الساحة العربية, وبخصوصية أكثر في الساحة العراقية؟
لقد أطاح الرئيس الأميركي (ترامب) بالمشروع الصحي الذي أنجزه الرئيس السابق باراك أوباما بعد أن اجتاز عدة كمائن أشدها ما حدث في الكونجرس الأميركي, وهناك الآن غضب لدى الرأي العام الأميركي ضمن أغلبيته الواضحة إزاء ما فعله ترامب, لأن أوباما أراد تسهيل الخدمة الطبية من أجل الفقراء والمشردين وأصحاب الدخول المالية المحدودة, بينما نعاني في العراق وربما في بلدان عربية أخرى ضغوطا واضحة (للوحشية الطبية) التي تستمد حضورها من النزعة التجارية فحسب, وتلك إطاحة متواصلة حتى الآن في التعامل الطبي مع مفهوم الصحة للجميع, ولدينا عينات واسعة من ذلك فعندما يخضع الجهد الطبي العام للروتين والإجراءات الإدارية التقليدية التي تحاول التعتيم على حقيقة (أن حركة سيارات الإسعاف بطيئة بالرغم من سرعتها الجنونية), وعندما يمارس أطباء برودا واستخفافا إلى حد نسيان أدوات جراحية داخل أجسام مرضى أجريت لهم عمليات جراحية, فإن ذلك على العموم لا يقع ضمن ذريعة النسيان بل الإهمال والتقصير, وكذلك الحال حين يفرط أطباء بالوعاء الإنساني لمهنتهم ويحولون عياداتهم الخاصة إلى أقنان دجاج تبيض الذهب من خلال خدمة طبية يقاس حجمها على حجم الجرع التي يتلقاها المرضى, وكذلك حين تكون المستشفيات الأهلية أرقى في موجوداتها وخدمتها من المستشفيات الحكومية, ولا يحرك أحد ساكنا ليسأل: لماذا يحصل ذلك مع أن السبب معروف أن المال هو الذي يتحكم بعناصر الجودة, وليس الضمير الطبي على غرار ما فعله وما زال يفعله المال السياسي في أزمات دموية ما زالت تضرب سوريا والعراق وليبيا واليمن وبلدان عربية أخرى؟
إن أخلاقيات الطب ينبغي أن لا تغادر أو تتنكر لاستحقاقاتها الإنسانية, وأن المسؤولية الأساسية في تطبيق الصحة للجميع أن يكون معيار الخدمة الطبية إنسانيا، وأن نطمح لوجود فرق طبية متنقلة على غرار (المستشفى الطائر) الذي أرخ لحيثيات مسلسل تلفازي بهذا الاسم, أو على الأقل أن تكون بعض أخلاقيات الأطباء على غرار أخلاقيات أطباء انقطعوا عن مستشفياتهم الكبيرة وتوجهوا لخدمة الفقراء في أدغال إفريقيا أو أميركا اللاتينية وأسسوا (مضافات) طبية متحركة على درجة من شرف الخدمة التطوعية بمثل المساعي التي تبذلها منظمة أطباء بلا حدود.
وأن يعاد النظر أصلا في نوعية المراكز الطبية وأولويات إقامتها على وفق تشخيص للأمم المتحدة, فلقد أجمع خبراء في المنظمة الدولية أن المستشفيات الكبيرة ليست سوى مقابر للصحة العامة لأنها تقام على وفق جاه لهذه المدينة أو تلك, وليس في إطار الهدف السامي الذي يتطلب توزيع (موجودات) تلك المستشفيات على أكبر رقعة جغرافية ممكنة.
الحال أن العوز الصحي في المناطق النائية أصبح (بجلاجل) كما يقول المثل المصري, وأن آلاف المرضى يموتون في الطرق إلى تلك المستشفيات الكبيرة, والمقرف أن أكثر من فنانة عربية أو رجل أعمال ميسور يملكون طائرات حديثة تسعف أمزجتهم وقت الحاجة!! بينما لا يملك مستشفى واحد في البلاد العربية, طائرة ولو كانت بمحرك صغير.