ـ الصراع في سوريا يدخل دوائر الإرهاب الدبلوماسي بين الولايات المتحدة وروسيا
ـ مشروع قرار روسي لإرسال خبراء للتحقيق حول استخدام أسلحة كيماوية في مدينة دوما السورية
ـ الولايات المتحدة تطيح بثوابت القانون الدولي وتصر على توجيه ضربات غربية لدمشق

[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/uploads/2016/04/ayman-hussien.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أيمن حسين
[/author]
لا تزال قضية الصراع في سوريا شائكة ففي الوقت الذي اقتربت فيه القوات السورية من إحكام قبضته على عدد كبير من المدن في الداخل وبسط سيطرته على مناطق عديدة كانت في حوزة المسلحين انفجرت الأوضاع في ظل اتهامات أميركية للنظام السوري باستخدام أسلحة كيماوية في صراعه بمدينة دوما السورية بالغوطة الشرقية حيث تصر إدارة ترامب والرئيس الأميركي ذاته على لغة الرد العسكري بتوجيه ضربات غربية ضد القوات السورية، بينما تنفي دمشق هذه الاتهامات وترد موسكو بمشروع قرار لإرسال خبراء للتحقيق في ما وصفته بالمزاعم والأكاذيب الأميركية والغربية .
ويتزامن هذا مع استمرار التواجد التركي داخل الأراضي السورية واختراق الطيران الإسرائيلي لأجواء تلك البلد التي تحولت من دائرة حروب وصراعات وعنف إلى ارض لتصفية الحسابات الغربية مع موسكو. ولعل الضحية في النهاية هي الشعوب خاصة السوريين الذين يقتلون كل يوم بالعشرات والمئات تحت قصف متعدد الجهات والجنسيات من الأرض والجو وأيضا البحر.
صراع دبلوماسي:
أعلنت روسيا على لسان وزير خارجيتها سيرجي لافروف اعتزامها التقدم بمشروع قرار لمجلس الأمن الدولي ينص على إرسال خبراء للتحقيق في مزاعم استخدام السلاح الكيماوي في مدينة دوما السورية. وأوضح الوزير الروسي أن القرار سيقترح إرسال مفتشين من منظمة حظر الأسلحة الكيماوية للتحقيق في الهجوم المزعوم. وأشار لافروف إلى أن موسكو لن تقبل استنتاجات خبراء تم التوصل إليها عن بعد . لافتا إلى أنه حسب ميثاق منظمة حظر الأسلحة الكيماوية يتعين عليها إجراء تحقيق في عين المكان وأخذ عينات لدراستها في مختبرات بشكل يضمن الشفافية. مشيرا إلى أن مشروع القرار الذي ستقدمه روسيا سيطالب بمثل هذه الإجراءات. من جانبه. قال المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف إن موقف الولايات المتحدة ودولا أخرى من مزاعم استخدام أسلحة كيماوية في سوريا ليس بناء. وشدد بيسكوف على أن روسيا لن ترفض الجهود الدبلوماسية الموجهة لتسوية الأزمة في سوريا. مؤكداً أن موسكو مستمرة في هذه الجهود لتوضيح ما يخص مزاعم استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا.
من ناحية أخرى. أعرب نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوجدانوف عن أمل موسكو في ألا تصل الأمور في سوريا إلى مستوى التهديد باندلاع مواجهة عسكرية بين روسيا والولايات المتحدة. وأكد بوجدانوف أن موسكو لا تزال تجري اتصالات عملية مع واشنطن بخصوص سوريا. مؤكداً أن الطرف الروسي يأمل في أن تنتصر العقلانية في هذا البلد. مضيفا أن التزييف الإعلامي يستخدم لتصعيد الوضع في سوريا وهو أمر غير مقبول وخطير للغاية.
في السياق نفسه صرح المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا بأن موسكو حذرت مرارا واشنطن من ضرب سوريا، حيث يوجد هناك عسكريون روس على أساس قانوني وكذلك العواقب المحتملة لإمكانية استخدامهم السلاح ضد الحكومة السورية الشرعية وخاصة إذا مس هذا الاستخدام عسكريي موسكو.
تهديدات أميركية:
ذكر مسئولون أميركيون إن الولايات المتحدة تدرس حاليا القيام برد عسكري جماعي وذلك على خلفية الهجوم المزعوم في الغوطة الشرقية. ولم يكشف المسئولون الأميركيون عن أي خطط. لكنهم أقروا بأن الخيارات العسكرية قيد التطوير. ورجح خبراء أن تشارك فرنسا وبريطانيا وحلفاء لهما في الشرق الأوسط في العملية العسكرية المحتملة التي ستستهدف منع أي استخدام للأسلحة الكيماوية مستقبلا في الصراع المسلح في سوريا بحسب رأيهم.
على صعيد الضربات الإسرائيلية لمطار التيفور العسكري السوري قال علي أكبر ولايتي كبير مستشاري المرشد الإيراني علي خامنئي إن جريمة إسرائيل باستهداف قاعدة جوية سورية لن تمر دون رد. وأضاف ولايتي أن انتصار الجيش السوري في الغوطة الشرقية هو من أهم انتصارات سوريا. هذا فيما أفادت وزارة الدفاع الروسية بأن أكثر من 3,6 ألف مسلح وعائلاتهم خرجوا من مدينة دوما بالغوطة الشرقية مضيفة أنه جرى نقلهم جميعا على متن حافلات إلى ريف حلب الشمالي.
وأضافت الوزارة أن العدد الإجمالي للأشخاص الذين غادروا الغوطة الشرقية منذ بداية الهدنة الإنسانية بمساعدة مركز المصالحة الروسي يبلغ 161207 أشخاص.
تضارب الرؤى:
لعل هجوم دوما وتداعياته أطاح برغبة الرئيس الأميركي الانسحاب بقواته من سوريا في هذا التوقيت الشائك . وكما توقع الخبراء أحدثت تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي أعلن فيها عزمه على سحب القوات الأميركية من سوريا في وقت قريب جدًّا إرباكًا شديدًا في أركان الإدارة الأميركية وخاصة مجلس الأمن القومي ووزارتي الدفاع والخارجية ووكالة الاستخبارات المركزية (سي.آي.إيه) الأمر الذي فرض عقد اجتماع سريع لقادة هذه المؤسسات حضره الرئيس الأميركي كما فرض على ترامب التراجع عن عزمه سحب القوات الأميركية من سوريا خاصة بعد هجوم دوما . كانت مشكلة قادة الإدارة الأميركية هي البحث عن غطاء لتبرير قرار التراجع وعدم الإفصاح عن الأسباب والدوافع الحقيقية التي جعلت ترامب يتراجع عن حماسه الذي عبر عنه بسحب القوات الأميركية من سوريا.
البيان التوضيحي الصادر عن اجتماع أركان الإدارة الأميركية مع الرئيس الأميركي تضمن هذا الغطاء كما عرضته سارة ساندرز المتحدثة باسم البيت الأبيض للصحفيين وكان محوره أن «المهمة الأميركية في سوريا لم تنته بعد». والمهمة المقصودة هنا هي الهزيمة الكاملة لتنظيم (داعش) الإرهابي . فقد عاد البيت الأبيض ليركز ربما للمرة الألف على شماعة داعش لتبرير التدخل والوجود الأميركي في سوريا. وفي محاولة لتخفيف وقع الأكذوبة حيث كان الرئيس الأميركي قد أعلن الانتصار على «داعش» منذ أكثر من شهرين فجاء بيان البيت الأبيض ليتحدث عن وجود صغير للتنظيم الإرهابي ويرجع قرار التراجع عن سحب القوات لهذا السبب على نحو ما حاولت سارة ساندرز أن تبرر وتروج عندما قالت إن الهدف هو حتمًا هزيمة داعش وما أن يتحقق هذا الأمر بالكامل وقد أحرزت الولايات المتحدة تقدمًا كبيرًا على هذا الصعيد وما أن تزول الحاجة إلى وجود قوات هناك ويصبح بمقدور أميركا نقل المسئوليات إلى القوات المحلية عندها يمكن سحب القوات . وهذا ما ساقته الدبلوماسية الأميركية من مبررات واهية.
ارتباك الإدارة الأميركية:
لعل تفاصيل البيان الأميركي حول القوات الأميركية في سوريا تكشف عن «ركاكة» شديدة في صياغته كما تكشف عن حالة غير مسبوقة من الارتباك فرضت نفسها على البيت الأبيض لإخفاء المبررات والدوافع الحقيقية لقرار التراجع كما عبرت عنها التعليقات المنقولة عن كل من الجنرال مايك بومبيو وزير الخارجية الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية والجنرال جيمس ماتيس وزير الدفاع وأيضًا الرئيس دونالد ترامب. فقد نصح بومبيو بشدة بعدم الانسحاب السريع من سوريا واتفق معه وزير الدفاع جيمس ماتيس وغيره من كبار المسئولين الذين أكدوا أن الانسحاب الكامل من سوريا يعني المغامرة بخسارة المكاسب التي حققتها الولايات المتحدة في قتال داعش والتنظيمات الإرهابية.
وإذا كان جيمس ماتيس قد أوضح أن البنتاجون يعمل على خفض القوات الأميركية في سوريا وأنه سيواصل القيام بذلك في محاولة لتبييض وجه الرئيس ترامب وإظهار التزام الإدارة بقراراته فإن ترامب لم يستطع إخفاء أسباب عزمه على الانسحاب من سوريا ولا دوافع تراجعه عن هذا القرار. وكان الواضح تمامًا أن ترامب يبحث عن «مقاولة» جديدة في سوريا. فهو باعتباره رجل صفقات لا يقبل التمييز بين عالم المقاولات وعالم السياسة كان يريد البحث عن ممول ليس فقط لدفع تكاليف بقاء القوات الأميركية ولكن أيضاً لجني المكاسب المأمولة لذلك أبدى موافقته المبدئية في الاجتماع على إبقاء القوات الأميركية في سوريا لفترة أطول على أن تقوم دول أخرى بالمنطقة بالمساعدة في ضمان هزيمة تنظيم «داعش» الإرهابي وتمويل برامج إعادة الأعمار لسوريا.
تبريرات واهية:
يؤكد عبد الله الزيات الخبير العسكري أن تراجع ترامب عن قراره بسحب القوات جاء بعد الحصول على وعود موثوقة ومغرية بالتزامات من جانب أطراف بالمنطقة لها مصلحة في الإبقاء على القوات الأميركية في سوريا لتمويل عملية بقاء تلك القوات حيث كشفت مصادر إعلامية عن أن الرئيس تحدث مع زعماء في المنطقة لحثهم على المساهمة بمبلغ 4 مليارات دولار لإعادة الأعمار في سوريا. هذه المعلومات تفرض إعادة طرح سؤال مهم له علاقة بقرار ترامب أو إعلان عزمه على سحب قواته من سوريا وهو: هل كان ترامب يناور بهذا الإعلان منذ البداية للحصول على «مقاولة» تمويل بقاء القوات الأميركية في سوريا أم كان جادًّا في عزمه الانسحاب دون اعتبار للحسابات الاستراتيجية؟
فواتير الحرب:
يقول حمدي أبو العنين الخبير الاستراتيجي أن تصريحات ترامب التي أعلن فيها عزمه على سحب القوات الأميركية من سوريا تؤكد أنه كان يناور ولم يكن جادًّا وأنه كان يريد ترهيب أصدقائه في المنطقة بإعلان نيته الانسحاب ويتركهم لإيران وحزب الله وبشار الأسد في سوريا فقد تحدث ترامب أيضًا عن الـ 7 تريليونات دولار التي أنفقتها بلاده على الشرق الأوسط دون أن تحقق مكاسب ما يعني أنه كان يبحث عن المكاسب قبل كل شيء وأنه عاد إلى النهج الأميركي التقليدي باختلاق الفزاعات لترهيب الأصدقاء وترويعهم لإجبارهم على «الدفع» وهذا النهج سبق أن فضحه آرييل شارون رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق عندما قرر أن يتمرد على الأميركيين ويطالبهم بدفع «فارق الفاتورة». فقد اعتادت الولايات المتحدة على توظيف إسرائيل كـ«فزَّاعة» للعرب وكانت تشجع الإسرائيليين على العدوان وكان العرب يتجهون إليها طلبًا لوقف الاعتداءات الإسرائيلية وكانت هي تحصل دائمًا على الثمن الباهظ لهذا الدور. شارون الذي اكتشف ضخامة الفاتورة التي تحصل عليها أميركا بعد كل عدوان إسرائيلي على العرب تمرد على واشنطن وطالب بأن تحصل إسرائيل على نصيب أكبر من الصفقات. وامتد النهج الأميركي بخلق الأعداء للعرب لإجبارهم على الدفع النقدي وشراء صفقات السلاح ولم تعد إسرائيل وحدها بل إيران وهذا ما أغرى ترامب على أن يتمادى في ابتزاز من لهم مصلحة في التصدي لإيران في سوريا.
الخلاصة:
إن هجوم دوما ساهم في تغيير قواعد اللعبة والصراع في سوريا وإذا كان ترامب قد اقتنع بالمقاولة الجديدة التي سيحصل عليها جراء إبقاء قواته في سوريا لمنع التمدد الإيراني فإن أركان الإدارة الأميركية كانت لهم أسباب أخرى شديدة الأهمية بالطبع للضغط على ترامب للتراجع خاصة بعد هجوم دوما حيث كانت أعين قادة الإدارة موجهة صوب العاصمة التركية أنقرة ومتابعة نتائج القمة الثلاثية بين رؤساء روسيا وإيران وتركيا ومخاطر تشكُّل حلف استراتيجي إقليمي جديد بين هذه الدول ومرجح أن يضم مستقبلا كلا من العراق وسوريا الأمر الذي يمثل تحديًا استراتيجيا يصعب التهوين من خطورته بالنسبة للولايات المتحدة.