[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedaldaamy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أ.د. محمد الدعمي[/author]
ثمة نفر من المشتركين، من هؤلاء الذين يعدون وسيلة التواصل هذه قناة مناسبة للشهرة الفردية، وللتبختر والتباهي ولاستعراض القدرات والمواهب، إلا أن على هذا النفر المسكين لا بد أن يدرك جيدا أن وسيلة التواصل إياها يمكن أن تستخدم سلاحا ذا حدين: لك وعليك! وهذا ما جعل الكثيرين ينتفضون ضد هذه الوسيلة وضد "عدم أمانتها" بعد تسرب معلوماتهم الأكثر خصوصية ليس للجميع فحسب، بل لأجهزة التجسس المحلية والدولية في آن واحد.

ربما كان السؤال أعلاه هو الشغل الشاغل للأميركان منذ بضعة أيام، وهم ما زالوا في انتظار تحقيق لجنة كونجرس مختصة مع مؤسس ومدير ما يسمى الــ"الفيس بوك" Facebook (مارك زاجربيرج) الذي يعد اليوم أوسع وسيلة تواصل اجتماعي انتشارا وشعبيةً في العالم.
تفجرت الأزمة أعلاه قبل بضعة أسابيع إذ كشف النقاب عن أن إدارة الــ(فيس بوك) لم تتخذ ما يكفي من الإجراءات في سبيل الحفاظ على المعلومات الشخصية للمشتركين الذين قد يكونون مؤسسات أو وكالات حكومية أو أفرادا. وقد أعلن أن شركة (مقرها في بريطانيا) اسمها: "كامبريدج أنالتيكا" Cambridge Analytica، إنما كانت وراء الاستيلاء على أعداد هائلة من المعلومات الشخصية والفنية الخاصة بملايين المشتركين (وعددهم بالضبط، هو 87 مليون مشترك). وإذا كانت هذه فضيحة من العيار الثقيل، فإنها جعلت تتفاعل على نحو مرئي للجمهور حتى اللحظة: إذ راح الجميع يتساءل عما استولت عليه شركة قرصنة المعلومات أعلاه من معلومات عنهم وعن مواقفهم السياسية ورغباتهم وسوى ذلك مما لا يريد الأفراد ولا الجماعات كشفه عن أنفسهم، كالأمراض التي يعانون منها، أو المشاكل الخاصة جدا كالمشاكل العائلية، زيادة على الصور الشخصية التي قد لا يرغب المرء في اطلاع الآخرين عليها "دون استئذان": صور من نوع صور زواجك، أو صور أخرى لك وأنت طفل بين أحضان والدتك، بل هناك من قدم صورا لنفسه وهو طفل "يختن"!
والحقيقة هي أن المشترك عندما تكون صفحته عامة (مفتوحة للجميع) يتوجب عليه توخي الحذر الشديد: يمكن أن تعرف بنفسك وبوظيفتك، بتفضيلاتك ومعاكساتها، وتقدم صورا لتخرجك من الجامعة أو لنفسك وأنت تقوم بسفرة خارج بلادك، كل ذلك طوعا. ولكن المخيف في الأمر، هو أن هذه الصفحات مفتوحة كذلك للأجهزة الأمنية والاستخبارية المختصة، إذ إنك تقدم لهذه الأجهزة ضخا متواصلا وثمينا من المعلومات عن نفسك وعائلتك وعن كل ما يخصك ولا ترغب أن يعرفه سواك من الغرباء مجانا. لذا، كانت عاصفة الاعتراض والرفض الهوجاء التي اُستقبل بها خبر تسرب المعلومات الخاصة بملايين المشتكرين من الــ(فيس بوك).
ثمة نفر من المشتركين، من هؤلاء الذين يعدون وسيلة التواصل هذه قناة مناسبة للشهرة الفردية، وللتبختر والتباهي ولاستعراض القدرات والمواهب، إلا أن على هذا النفر المسكين لا بد أن يدرك جيدا أن وسيلة التواصل إياها يمكن أن تستخدم سلاحا ذا حدين: لك وعليك! وهذا ما جعل الكثيرين ينتفضون ضد هذه الوسيلة وضد "عدم أمانتها" بعد تسرب معلوماتهم الأكثر خصوصية ليس للجميع فحسب، بل لأجهزة التجسس المحلية والدولية في آن واحد.
ومن منظوري الشخصي، أزعم بأن هذا التسرب إنما يميط اللثام عن الجانب السلبي والنتائج العرضية غير المتوقعة التي يفرزها التقدم العلمي، خاصة في مجال التقدم الرقمي والحاسوبي: فعلى الحضارة الإنسانية أن تفكر مليا عندما تقدم أي مخترع أو إكتشاف أو إبتكار علمي جديد، عليها أن تفكر بالنتائج العرضية السلبية التي لا يمكن الفوز به وقياسها بدقة، إلا بعد مرور زمن طويل من الاستخدام والتوظيف!