[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
جن جنون الولايات المتحدة الأميركية ومعها من حلفاء من شتى الأعراق حين سقطت الغوطة الشرقية بهذه الطريقة السريعة وبيد الجيش العربي السوري وبأسلوب حضاري في التعاطي، فحين رفض "جيش الإسلام" الذي "يحكم" دوما الذهاب إلى إدلب لأسباب عقائدية باعتباره مرفوضا من كل القوى هناك، كان الاقتراح الآخر جاهزا وهي جرابلس.
بهذه الكيفية السريعة تم حل شامل للغوطة، فوصلت الرسالة إلى الأميركي وحلفائه أن الدولة السورية شطبت نهائيا كل خطر على العاصمة، ولم يعد هنالك سوى المواجهات المفترضة مع المحتلين المعروفين، وفي الطليعة الأميركي والتركي والإسرائيلي كأساس من يدير اللعبة.
في هذه اللحظة جاءت الخطة التي طلب تنفيذها من جيش الإسلام أو من آخرين يتعاملون معه، أن اقصفوا دمشق، فتم قصفها، فجاء الرد من الطيران السوري فورا، الأمر الذي كان ينتظره المخططون بتوجيه قصف كيميائي إلى منطقة قصف الطيران، ثم أتى المصورون وهم جاهزون لتغطية هذا الحدث المفتعل، وقدموا للأميركي الصورة التي يريد المتاجرة بها، وهكذا كان.
من الواضح أن الأميركي طرح مشروع مساومة بعد أن ذهب بعيدا في الكلام والاستعداد لتوجيه ضربته .. يقال إن مساومته كانت مع الروس .. في حين كان التابع الفرنسي ماركون الذي يبحث عن حدث يعلي من شأن خسائره المعنوية أمام الفرنسيين، يهلل للمشاركة ويحرك طائراته وبحريته، بينما كانت بريطانيا التي يسر قلبها أي موقف ضد العرب، تحرك أذيالها للمشاركة، بل قيل إن رئيسة الوزراء ماي من يهمس بأذن ترامب دفعه باتجاه العمل العسكري.
ترامب الشاعر بالحرج من السقف العالي الذي التزم به، وضع حدودا أخيرة لموقفه حين قسم موقفه إلى قسمين بقوله، يمكن للضربة أن تأتي سريعا وهو القسم الأول، ثم يكمل، ويمكن لها أن لا تأتي، وهو القسم الثاني الذي لم يفهم تماما ما إذا كان سيأتي لاحقا أم سيتم العدول عنه؟
في كل الأحوال، بات الأمر مكشوفا في كل حيثياته، فترامب المساوم، يريد أن يقول إن الضربة لن تكون مفاجئة وها أنا أعلن عنها كي تقوم كل الأطراف بالاستعداد لها، مما دفع الروسي إلى ترتيب وضعه والسوري أيضا وكذلك الإيراني وحزب الله، كل اتخذ الاحتياطات اللازمة من أجل تقليل الخسائر إن وقعت الضربة، لكن هذا الكل أيضا مصمم على تدمير ما أمكن مما قد يستعمله الأميركي في ضربته، سواء عبر الطيران أو الصواريخ، بعدما جهزت موسكو المسرح كله تقريبا للوصول إلى هذه الغاية التي تجعل من نتائج الضربة الأميركية حدثا كبيرا يسر قلوب السوريين ومن معهم من عرب وعالم، فيما يخرج الأميركي مهزوما أمام قدرة الأطراف المستعدة له على منعه من تحقيق أهدافه ولو جزئيا.
حتى كتابة هذه السطور صباح البارحة الجمعة، كان لا يزال الاستنفار الكلامي ساري المفعول، والعالم كله ينتظر اليد الأميركية التي على الزناد ماذا ستفعل. لكن كثيرين لا يعرفون أن الأميركي التاجر كيف يبيع ويشتري من فوق الطاولة ومن تحتها، وماذا يريد مقابل عدوله عن ضربته، وهو يعرف أن لا أحد في الأطراف المواجهة له يدفع المال الوفير، وعليه لا بد أن يكون هنالك مساومات أخرى على قضايا جوهرية، لكنه في كل الأحوال يريد العودة إلى مسرح الشرق الأوسط بقوته المعهودة بعد أن خسرها على أكثر من صعيد.