بكل مشاعر الفخر والزهو، وبكل مشاعر الحب والوفاء، وبكل معاني الولاء والانتماء، تحتفل السلطنة اليوم من أقصاها إلى أقصاها بذكرى يوم نهضتها المباركة التي قادها بكل حكمة واقتدار حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ ، ففي مثل هذا اليوم الأغر الثالث والعشرين من يوليو عام 1970م أشرقت شمس التغيير والتطوير والبناء والتعمير، وفي مثل هذا اليوم ترتدي بلادنا أبهى حللها وتعزف أرق ألحانها وتصدح بأعذب نشيدها، وتتغنى بأحسن أنشودة رددتها الألسنة، إنها أنشودة الفرح بيوم النهضة؛ ولأنه يوم عظيم في التاريخ الحديث الذي أعادت فيه عُمان اكتشاف ذاتها، معيدة وضع بصمتها من جديد في صفحات هذا التاريخ، بل راسمة فيه نهجًا قويمًا قامت عليه أركانها لتكون دولة عصرية، أركان شموخ وعزة وفخر ومثال واقتداء.
لذلك يحق لعُمان اليوم أن تحيي هذه المناسبة الغالية المجيدة مع دورة السنين والأيام، لم لا ؟ وقد كانت بلادنا قبل هذا التاريخ نسيًا منسيًّا، ثم غدت بعده علمًا مرئيًّا يراه القاصي والداني، ويقرأ على صفحته قوائم الإنجازات التي خطت سطورها أيدي الوفاء والإخلاص والصدق والإكرام لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ باعث روح هذه النهضة المباركة ومفجر طاقاتها، وراعي مسيرتها الظافرة منذ أول يوم ولدت فيه وهو الثالث والعشرون من يوليو قبل أربعة وأربعين عامًا مرورًا بهذه السنين المتوالية التي تعد إنجازاتها شاهدة على هذا العصر الوضاء والمضيء، حيث إن كل إنجاز لم يظهر إلى حيز الوجود إلا بفضل التكاتف والتلاحم بين فكر جلالته ـ أيده الله ـ وبين السواعد الفتية ـ بعد توفيق الله وفضله ـ والتي نهضت لترجمة هذا الفكر إلى واقع ملموس، وكتاب مفتوح من خلال تضافر مجموعة من العوامل كالخطط الخمسية الناجحة، والتخطيط السليم وغيرها.
ولعل الإنجاز الأكثر بروزًا للنهضة المباركة هو أنها ـ ومن يومها الأول ـ استهدفت الإنسان العماني بإعادة صياغة تكوينه العقلي والنفسي بالعلم والتعليم والثقافة، وتحقيق رفاهيته وأمنه واستقراره، وربط حاضره بمآثر تراثه التليد كحلقة جديدة تضاف إلى سلسلة موغلة في القدم من الاشراقات والإبداعات العمانية، وتجلية الجوانب الإيجابية في الشخصية العمانية التي ران عليها صدأ الجمود والتخلف لفترة من الزمن. وهذه حقيقة لا حياء في قولها والاعتراف بها، إلا أن نضج الفكر وقوة الإرادة وحسن الاختيار وصوابه والرؤية العميقة، كل ذلك أصاب كبد الاستهداف، وذلك حين راهنت النهضة المباركة على الإنسان العماني ليقود قاطرة البناء والتقدم والتعمير، فعملت على استثارة فاعلية هذا الإنسان بعد تعليمه وتدريبه وتأهيله، ليكون قادرًا على قيادة دفة التنمية الشاملة، وليتواصل مع برامجها الشاملة لكل جوانب الحياة سياسيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا وثقافيًّا، ويصبح أداة فاعلة لإحداث المزيد من التنمية عبر برامجها وخططها الخمسية المتوالية.
وبعيدًا عن المبالغات، وبعيدًا عن تحميل الجمل كلمات إنشائية، نقولها بكل فخر واعتزاز إنه يحق لنا أن نفرح ونفخر بما تحقق، فتناقضات الأحداث وتطوراتها ومتغيراتها المتسارعة لا تزيدنا إلا فخرًا واعتزازًا بقائد عُمان الماجد جلالة السلطان المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ والنظر إلى ما نحن عليه وما سنكون عليه ـ بإذن الله ـ وبين ما كان وما آل إليه حال غيرنا. لقد أصبحت بلادنا بحق ملء السمع والبصر، بفضل الله وبفضل السياسة الحكيمة للسلطنة التي اختطها باني نهضة عُمان الحديثة ـ أعزه الله ـ والتي أعلت قدر الإنسان وقدر الشعوب والأوطان، واحترمت قدرها وسيادتها واستقلالها، وأكدت على فداحة التدخل في شأنها الداخلي، وأكدت على أهمية مناصرة القضايا العادلة للشعوب، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية وعدت ذلك التزامًا عمانيًّا تجاه الأشقاء الفلسطينيين، وما احترام الإنسان العماني وإعلاء قدره ومكانته، وإعطاؤه حق المشاركة في صنع القرار وحق إبداء الرأي والتعبير واحترام رأيه وتقديره، والإنصات له، إلا إحدى المرايا العاكسة لصواب السياسة العمانية وصدقها مع الذات ومع الآخرين.
وإذ نتوجه إلى الشعب العماني الأبي الوفي بالتهنئة القلبية الصادقة في هذا اليوم البهيج الذي تعطره روحانيات العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، لنضرع إلى المولى جلت قدرته أن يحفظ لنا جلالة السلطان المعظم ويمد لنا في عمره ويكلأه بعين رعايته وعنايته، ويمنَّ عليه بالصحة والعافية، ويسبل نعماءه ظاهرة وباطنة عليه، وعلى الشعب العماني، إنه سميع مجيب.