[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedbinsaidalftisy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد بن سعيد الفطيسي[/author]
” .. بتقصي انعكاسات العولمة الامنية على الصعيد الوطني العماني نجد ذلك في نواح مختلفة كالاهتمام بملف الارهاب السوبراني او الرقمي خصوصا مع الدعم العسكري والمالي والاستخباراتي الذي حظيت به هذه الشبكات. كذلك ومن ابرز الملفات التي تدل على تصاعد ملف العولمة الامنية وتداخلها مع الملف العسكري على السلطنة هو ملف الصراع في اليمن بما يمثله من مخاطر عابرة للحدود الوطنية,”

كل ما سبق كان له التأثير القوي والمباشر على الامن والاستقرار الوطني لسلطنة عمان, وكذلك على جوانب اخرى في الحياة الداخلية سواء كانت سياسية اوامنية اوعسكرية او اقتصادية , مع التأكيد على تلك التأثيرات والانعكاسات سالفة الذكر لم تقتصر على سلطنة عمان , بل هي تأثيرات شاملة وعالمية لم يسلم منها اي بلد في العالم. الا انه يمكن التأكيد على بعض الاستثناءات كون السلطنة تقع في محيط من الاضطراب والفوضى, وفي منطقة ملتهبة من العالم تعد بحد ذاتها اشد المناطق سخونة وارتفاع في كم الازمات وكثافة الصراعات, اقصد منطقة الشرق الاوسط. يضاف الى ذلك وضوح ذلك التداخل بين مختلف تلك الجوانب, وبمعنى اخر, ان الأسباب السياسية ادت الى نتائج اقتصادية, وهذه الاخيرة ادت الى انعكاسات امنية وعسكرية وهكذا. ومن ابرز تلك الجوانب المتأثرة النواحي التالية:-
1- الناحية السياسية: تعد مساهمة سلطنة عمان في التوسط لحل الملف النووي الإيراني " اتفاق لوزان النووي 2015م " من ابرز الأمثلة التي يتضح من خلالها جانب تأثير الانعكاسات والمؤثرات العابرة للحدود الوطنية من الناحية السياسية والتي تعد امتداد لتحولات السلطة والنفوذ ومتغيرات توازن القوى والمصالح على رقعة الشطرنج الدولية,انطلاقا من المبررات التي تؤكد أن ما يمكن أن يحدث في محيط الدولة العمانية من صراعات وأزمات وحروب بلا شك سيؤثر بطريقة أو بأخرى على الاستقرار والأمن الداخلي العماني. حيث يعد الملف النووي الإيراني من النماذج الواضحة على ذلك الصراع الدولي في الشرق الأوسط بين القوى الكبرى وتلك القوى القارية الناشئة كإيران وتركيا.
وقد وجدت سلطنة عمان نفسها بحاجة إلى التدخل السياسي والدبلوماسي في صيرورة هذا الملف الخطير على امن المنطقة بوجه عام وامنها الوطني على وجه الخصوص نظرا لتداخل المصالح الجيوسياسية. فأي خلل او انفلات او تشدد في هذا الملف سيدفع المنطقة بأسرها الى اتون حرب لا يستبعد ان تكون عالمية, في بيئة هي اصلا بيئة مشتعلة على العديد من الاصعدة, حيث من المؤكد ان دائرة الفوضى والاضطراب والصراع حينها ستمتد الى اعماق بعيدة في الشرق الاوسط، كلبنان والعراق ومنطقة الخليج طبعا، خصوصا المناطق ذات الكثافة الدينية الشيعية, هذا اذا ما اضفنا اليه المناطق المشتعلة اصلا كسوريا واليمن والصومال.
2- الناحية العسكرية: رغم عدم وضوح تأثير تلك التحولات العابرة للحدود الوطنية على جانب تحول منظومة الشؤون العسكرية لسلطنة عمان بشكل استثنائي او وجود تغيير في عقيدتها الامنية او موازناتها العسكرية بشكل جذري" عبر المعلومات والوثائق او المعاهدات والشراكات المعلن عنها رسميا حتى العام 2018م على اقل تقدير.
الا انه يمكن القول ان ذلك التحول سيكون اكثر وضوح مع مطلع العقد الثالث من القرن 21 خصوصا في جانب التقنيات العسكرية والامنية المتقدمة وصفقات الاسلحة العسكرية المتطورة في ظل السباق التقني للعديد من المنافسين والفاعلين الاقليميين, وارتفاع مستوى المخاطر العابرة للحدود الوطنية خصوصا تلك التي تجاور الحدود الوطنية العمانية كملف الصراع في اليمن والملف النووي الايراني على سبيل المثال, ويتوقع ان يكون للقطع الجوية والبحرية النصيب الأكبر من ذلك التسلح " يضاف الى ذلك سيرتفع الاهتمام بجوانب الامن السوبراني وتقنيات الدفاع الوقائي واجهزة الرصد المبكر.
وتعد العولمة العسكرية ومتغيراتها التكنولوجية من اشد المتغيرات الجوهرية المؤثرة في النظام الدولي بوجه عام والاقليمي الشرق اوسطي على وجه الخصوص, حيث يلاحظ تصاعد وتيرة ارتفاع موازنات التسلح بصفة عامة في هذه المنطقة الملتهبة اصلا من العالم, و(تاريخيا فإن الاعتداءات والتدخل في شؤون الدول حصل غالبا من قبل الدول التي ادركت بأنها حققت نوعا من التفوق في المجالات العسكرية, فألمانيا مثلا في عهد هتلر شهدت تفوقا تقنيا واضحا في الوسائل والادوات العسكرية وكان هذا عاملا مساعدا لتحفيز الطموحات النازية في السيطرة على العالم وتأمين المجال الحيوي بالنسبة لاستراتيجيتها العالمية).
3- الناحية الأمنية: يعد ملف الارهاب من ابرز الملفات الواضحة على ما يطلق عليه بالعولمة الامنية, او تصدير المشاكل الأمنية, والتي بلا شك لم تسلم من تأثيراته المباشرة او غير المباشرة اي دولة من دول العالم بلا استثناء. ويتداخل هذا الملف مع العديد من الملفات سواء السياسية منها او العسكرية او حتى الاقتصادية. (اذا اصبح الارهاب في الوقت الحاضر احد المتغيرات المؤثرة على ظاهرة اللا استقرار في العلاقات الدولية , وهو يمثل تحديا حقيقيا بالنسبة لمستقبل النظام الدولي وخاصة في هذا العصر , بعد ان اضيف الى الارهاب عنصر التكنولوجيا, الذي زاد من شدة فعالية نشاطات الارهاب العالمي). حيث يمكن ان تحصل بعض تلك المنظمات الارهابية على اسلحة نووية او كيميائية او بيولوجية او قدرة على التجسس واختراق السيادة الوطنية للدول عبر القنوات الافتراضية والسوق السوداء.
ولنفكر في بعض الاحتمالات البسيطة حول تداخل الاقتصاد مع الامن (فإذا نجح الارهابيون السايبرانيون في اختراق شبكة امنية لمصرف كبير, فستصبح جميع بيانات مستخدميه واموالهم في خطر, بل ان مجرد التبليغ عن التهديد القائم في الظروف المناسبة, قد يسبب تهافتا لسحب الودائع من المصرف, واذا استهدف ارهابيون سايبريون نظام المواصلات في مدينة ما او بيانات الشرطة او سوق الاسهم المالية او الشبكة الكهربائية فيمكنهم حينها تجميد العمل اليومي للمدينة). فكيف اذا ما وقع ذلك عبر استهداف مواقع او بيانات الاجهزة العسكرية والامنية في بعض الدول.
وبتقصي انعكاسات العولمة الامنية على الصعيد الوطني العماني نجد ذلك في نواح مختلفة كالاهتمام بملف الارهاب السوبراني او الرقمي خصوصا مع الدعم العسكري والمالي والاستخباراتي الذي حظيت به هذه الشبكات. كذلك ومن ابرز الملفات التي تدل على تصاعد ملف العولمة الامنية وتداخلها مع الملف العسكري على السلطنة هو ملف الصراع في اليمن بما يمثله من مخاطر عابرة للحدود الوطنية, والذي دفع الحكومة العمانية الى بناء سياج على طول تلك الحدود تقريبا, وذلك بهدف احتواء تلك الاختراقات المحتملة للمهربين وتجار المخدرات والاسلحة, والارهابيين.
4- الناحية الاقتصادية: تعد التأثيرات والانعكاسات الناتجة عن عولمة الازمات الاقتصادية والمالية من ابرز القضايا العابرة للحدود الوطنية, وتتداخل عوامل الاقتصاد مع الملفات السياسية والامنية والعسكرية بشكل واضح من خلال العديد من الجوانب كملف العنف السياسي والارهاب والصراعات العسكرية, وتعد العولمة الاقتصادية المرافق الرئيسي للمجتمعات المدنية الحديثة, حيث لا يمكن بحال من الاحوال عزل أي مجتمع تقليدي يسعى للتحول لمجتمع مدني عن تأثيرات العولمة الاقتصادية.
فمن كان يفكر ان (الممارسات المصرفية الطائشة في اقتصاد صغير مثل تايلند في العام 1997م سوف تؤدي الى انهيار الروبل الروسي, او ان القروض الكثيفة سوف تدرأ أزمة اقتصادية في البرازيل, او ان تدخل مصرف نيويورك الاحتياطي الاتحادي سيمنع انهيار شركة استثمارات مغامرة من إيذاء الاقتصاد الاميركي, - او ان خللا او أزمة في أسواق المال والعقارات في الولايات المتحدة الاميركية او أوروبا سيؤثر في دولة صغيرة في قارة آسيا او أفريقيا).
يضاف الى ذلك انعكاس بعض الملفات الناتجة عن الازمة الاقتصادية الدولية كملف انخفاض اسعار الوقود او الباحثين عن عمل مثلا على اقتصاديات وموازنات الدول وطنيا, حيث نتج عن هذا الملف انهيار العديد من الأنظمة السياسية خصوصا في الشرق الاوسط كما هو الحال في تونس وليبيا على سبيل المثال لا الحصر. فهناك (علاقة تناسب عكسية بين التنمية الاقتصادية والعنف, أي و كلما تزايدت مظاهر الإصلاح الاقتصادي, انحسرت مظاهر العنف السياسي ومعدلاته, - بمعنى – ان العنف ينخفض في النظم السياسية التي تعتمد الحداثة والإصلاح نظرا لوجود مؤسسات سياسية واجتماعية واقتصادية وسيطة تنظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم, وتضبط ظاهرة الحراك الاجتماعي).