[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
في احد الاجتماعات القديمة لحزب البعث العراقي يوم كان حاكما في العراق، تداول المجتمعون قضية البكاء في الأغنية العراقية، بل لماذا هذه الأغنية بكائية .. لا ادري بماذا تناقشوا والى ماذا توصلوا سوى انهم تمنوا تحويل الاغنية الى مناسبة فرح.
لا يأتي الفرح الا من الواقع، من الحياة، من نوعيتها .. فإذا كانت المسألة تحل بالمال فهنالك كثير من الاغنياء ليسوا فرحين بل مهمومين حتى العظم، بل ان هنالك فقراء يعيشون يومياتهم بميول فرح تقفز الى مستوى الاحتفال الدائم.
المرء ابن حالته الاجتماعية والاقتصادية، بل ثمة امرئ ابن حاله الذاتية هو في الاصل مركب خاص لميول وغرائز ونزعات. لا يمكن للحياة ان تكون متساوية مع الجميع .. هي مثل الطريق المعبدة، منعطفات وجسور وانفاق وصعود وهبوط، فكيف يمكن لنفس بشرية ان تواجه كل هذا بحالة واحدة لا تتغير.
اعتقد ان الحروب وحدها يعيشها المرء على وتيرة بين حالتين لا ثالث لهما .. الفرح عند النصر، والوجوم والبكاء عند الهزيمة. ما ان طلع الصباح في دمشق حتى خرج الدمشقيون إلى الشوارع وهم يحتفلون بنتائج الضربة الغربية لسورية التي اعتبروها فاشلة .. هتفوا وفرحوا ورقصوا وتغنوا ورددوا الشعارات. هذه الأمور ليست احساسا دائما، هي ردة فعل على حدث كبير بهذا الحجم. يوم كانت دمشق تتعرض لمخاطر كان اناسها يرتعدون، لكن ثمة عند البعض وجود هاجس هو احساس نابع من الذات بان جيشهم سوف يغير المعادلة، وهكذا كان.
لكثرة ما بكت الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان شقيقة الشاعر الكبير ابراهيم طوقان الذي مات في سن مبكر، قالت وهي في عمر متقدم في قصيدة مهداة لمحمود درويش بان يمينا بعد اليوم لن ابكي. ليس هنالك من قوة في العالم تحجب الدموع في لحظات فرح او مأساة، او تغير من معادلة التركيبة للبشر وهم يواجهون ظروف الحياة بيوميات تتعرض دائما لمفاجآت الخسارة او موت الأقربين أو المرض .. تماما مثلما ذاك المغني العراقي الذي لم اعد اذكر اسمه، في رده على ما جاء في اجتماع القيادة البعثية حول البكاء في الأغنية، بان غنى كلمات تقول "ويقولون غني بفرح، وانا الهموم غناي" ..
والهموم متعددة الوجوه، ربما الهم الوطني يرقى إلى معنى الذات في الوطن .. اكثر من يشعره هو الفلسطيني الذي لا وطن له سوى على الورق، او يعيش في قلبه كما يقال، هم لا يمكن ترجمته بكل اللغات، لا يشعر به الا صاحبه، الا من فقد وطنا .. ان تفقد عزيزا فإن قانون النسيان يلعب دوره مع الوقت، اما فقدان الارض، فكأنما يتحول العيش داخل هواء وخارج كل مساحة جغرافية.
اذن الحياة افراح صغيرة، لملمة افراح من هنا وهناك، لكن حزنا صغيرا يتجاوز افراحا بالجملة. لا يمكن السيطرة على أي احساس في لحظة وقوعه .. المذعورون في الحروب تتسارع نبضات قلوبهم وتصفر وجوههم، الخائف ايضا، الغضبان تتحول يده إلى قبضة، السرور يبدو جليا على وجه صاحبه. بالكلمة الطيبة تشتري انسانا، وبعكسها تحوله إلى عدو في لحظة.
لم يتمكن أي حزب في العالم اذن ان يبني انسانا حزبيا صافيا مائة بالمائة، حاول السوفيات بناء مجتمع شيوعي صاف الا انهم تفاجأوا بأنه في مرحلة الوعي يعود الانسان إلى متطلباته الطبيعية وما اكتنزه من تلك التربية الموجهة يتم نسيانه.