[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedsabry.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]احمد صبري[/author]

”.. ما يصعب مهمة العبادي في معالجة تركة المالكي أنهما ينتميان إلى الحزب ذاته ـ حزب الدعوة ـ ويقودان تيارين يتصارعان على استمرار الدعوة في إدارة شؤون العراق كل على طريقته، غير أن العبادي أسس لفترة حكمه الأولى نواة أو قاعدة لتجديد ولايته عبر خوضه الانتخابات بقائمة منفصلة عن قائمة المالكي، مبتعدا قليلا عن حزب الدعوة، واستقطب قوى وشخصيات سنية إلى قائمته.”

يحاول رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أن يعالج التركة الثقيلة التي ورثها من سلفه نوري المالكي، رغم مرور أربع سنوات التي قضاها العبادي في إدارة شؤون الحكم، إلا أنه لم يفلح في معالجة هذه التركة بفعل الدولة العميقة التي يديرها سلفه من خلال أتباعه الذين زرعهم في أهم وأخطر المواقع في الدولة.
وما يصعب مهمة العبادي في معالجة تركة المالكي أنهما ينتميان إلى الحزب ذاته ـ حزب الدعوة ـ ويقودان تيارين يتصارعان على استمرار الدعوة في إدارة شؤون العراق كل على طريقته، غير أن العبادي أسس لفترة حكمه الأولى نواة أو قاعدة لتجديد ولايته عبر خوضه الانتخابات بقائمة منفصلة عن قائمة المالكي، مبتعدا قليلا عن حزب الدعوة، واستقطب قوى وشخصيات سنية إلى قائمته – النصر – في محاولة لعزل المالكي وسد أي ثغرة قد ينفذ منها سلفه للعودة ثانية لرئاسة الحكومة.
صحيح أن العبادي يراهن على إنجازاته العسكرية في إعادة المدن التي كانت تحت سيطرة "داعش" وسعيه لمحاربة الفساد وحيتانه، والتأكيد على دولة المواطنة العابرة للتخندق الطائفي، والانفتاح على محيطه العربي، والنأي بالعراق عن الصراعات الإقليمية، غير أنه يواجه باصطفاف يقوده المالكي لمنعه من استثمار هذه المنجزات في حملته الانتخابية.
ولهذا الغرض لم يترك المالكي بابا أمام المصالحة إلا وأغلقه ضمن منهجه في إبعاد خصومه السياسيين والاستئثار بالسلطة.
وأدت سياسة المالكي على مدى ولايتيه التي دامت ثماني سنوات إلى أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية، وقبل ذلك أمنية وضعت العراق على طريق الفوضى بعد أن أخفق المالكي في معالجة أوضاع العراقيين، والحفاظ على ثرواتهم التي ذهبت إلى جيوب السراق والمفسدين، ناهيك عن خروج نحو ثلث مساحة العراق عن سيطرة الحكومة العراقية بعد سيطرة "داعش" عليها وانهيار قواته، وتخاذل قياداتها التي كانت تحظى بدعم وإسناد المالكي.
وألحقت سياسة المالكي الإقصائية التي كرست منهجه في الاستهداف السياسي لخصومه السياسيين، لا سيما رموز معروفة رفضت إملاءاته وطالبت بتحقيق التوازن والمشاركة في إدارة البلاد على أساس الاستحقاق الانتخابي واشتراطات العيش المشترك.
وناصب المالكي العداء والترصد مع سبق الإصرار لشركائه بالعملية السياسية التي وقع معهم مواثيق لتقاسم السلطة، ومعالجة أوضاع العراق بعد احتلاله، لكنه تنكر وأدار ظهره وتنصل عن كل ما التزم به، سواء تنفيذ اتفاقية أربيل عام 2010 التي أخرجت حكومته إلى النور أو سواها في تفاهمات سياسية، في محاولة لعزل معارضيه لاستئثاره بالسلطة وإبعادهم عن دائرة القرار السياسي.
ويتكشف يوميا من فضائح سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية حدثت خلال ولايتي المالكي تتطلب من رئيس الحكومة حيدر العبادي أن يعالج هذه الإخفاقات بإجراءات استثنائية لتخفيف وطأتها على العراقيين، لا سيما ضحايا المالكي الذين تعرضوا للظلم والإقصاء والتهميش والاعتقال.
وبتقديرنا إن الإجراءات التي نتحدث عنها ينبغي أن تكون تصالحية لتعيد الثقة بين المكونات العراقية؛ لأنها هي من تفتح الأبواب التي أغلقها المالكي لتحقيق المصالحة الوطنية، وتطوي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة.
وحتى تأخذ إجراءات العبادي في حال تجديد ولايته مداها وتؤسس لمرحلة جديدة من الوفاق الوطني ينبغي أن تشمل رموز النظام العراقي السابق الذين نالوا من المالكي وسياسته العقابية الكثير ما يتطلب إعادة النظر بأوضاعهم الإنسانية، وإطلاق سراحهم لا سيما وأنهم أمضوا نحو 15 عاما في الاعتقال، ناهيك عن دورهم في خدمة العراق والدفاع عنه.
فحقوق المتضررين من سياسة المالكي يكفلها القانون؛ لأنها كانت خارج سياقاته واشتراطات العدل والمساواة ينبغي على العبادي أن يأخذها بالحسبان وبالتعاطي مع ظروفها وأسبابها.