تفاعلت على مدى التاريخ الطويل الذي تملكه السلطنة العوامل البشرية والمكانية، والطبيعية مع بعضها بعضًا لتضفي تميزًا فريدًا متفردًا للحياة العمانية، انعكس على تراثنا الذي ورثناه من الأجداد، وحاضرنا الذي تجلى في نهضة مباركة سيقف عندها التاريخ بتمعن، مع رؤية سامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ تسعى دائمًا إلى بناء الإنسان المرتبط بالمكان حاضره وماضيه، ليستشرف منهما مستقبله الدائم التطور، والدائم المحافظة على ما يملكه من تراث مادي أو غير مادي قام على منظومة من القيم الأصيلة، شكلت معالم عمانية تتميز بالمزج المتفرد بين الحداثة والمعاصرة وبين الالتزام بالموروث وقيمه التاريخية القائمة على التسامح والإخاء وتقبل الآخر، وما تحمله من صفات ككرم الضيافة، وسعة الصدر التي نسجت منظومة تتسم بالأمن والأمان على مدار التاريخ التليد لبلادنا الحبيبة.
إن هذه التركيبة الغنية بالمفاهيم الإنسانية التي تتناسب مع كافة العصور، جعلت السلطنة قبلة لكل باحث عن الهدوء والسكينة النفسية، ولكل متعطش لرحابة الحياة وبحبوحتها، بفضل السعي الدؤوب لكافة مفردات وألوان طيف الشعب العماني، في توطين مفاهيم وتراث يختلف مع ما يشهده العالم من نظرة مادية تسعى إلى التشاحن والتنافر، وتتجه بمنظومتها الاجتماعية نحو تآلف وإخاء يبعث فضائل إنسانية يرغب الإنسان أيًّا كان موطنه في العيش برغدها الرغيد، والعمل على ديمومتها، ولأن الحفاظ على هذه المنظومة غاية تحمل أبعادًا اقتصادية واجتماعية طبيعية دون رتوش من تكلف، لذا فجلالة القائد المفدى ـ أبقاه الله ـ يوجه دائمًا بالحفاظ على المنظومة التراثية للبلاد، وعدم التفريط فيها بدعوات التحديث، فالتحديث لا يتجلى بريقه إلا بالحفاظ على التراث الذي يمايز بين المكونات، فيخلق نوعًا فريدًا يحمل الصبغة العمانية الخالصة.
وحتى يتسنى لنا الحفاظ على تلك الهوية المميزة والمتميزة، فإن القائمين على تلك المنظومة يحرصون على إذكاء التنافسية في كافة أماكن السلطنة ومعالمها على تنوعها، حتى يخرج كل مكون إبداعاته القائمة على الحفاظ على الموروث.. ويأتي الاحتفاء بملتقى إزكي الثقافي الثالث الذي تفرعت فعالياته في مختلف قرى الولاية طوال 9 أيام واستهدفت مختلف الفئات العمرية تحت شعار (إزكي تراث وحضارة) ليؤكد المكنون التراثي للولاية، وقد حرصت اللجنة المنظمة على الاهتمام بالتراث والعادات والتقاليد من أجل تعريفها، وتسليط الضوء عليها للأجيال الناشئة والمبادرة في التعريف بالموروث الشعبي، وتفعيل أدوار القرى التي تمتلك كنوزًا من الحرف التقليدية والفنون الشعبية والأزياء العمانية الذي لا تزال تحتفظ برونقها الجميل ولم تغيرها حداثة العصر، حيث احتضنت الحارات القديمة أغلب المشاركات، لتخرج المسابقة رائحة الماضي التي لا تنسى والصورة العالقة في الذاكرة، وشريط الذكريات الرائعة التي غرست عادات الآباء والأجداد وتعمقت لتشكل إرثًا حضاريًّا باقيًا لم يندثر، وكأن الزمن عاد بنا إلى الوراء ليترجم لنا في مشاهد حية بساطة العيش بأجواء تسودها الألفة والمحبة والتعاون.
ولعل هذا الحرص على التمسك بالتراث هو ما جعل سوق السياحة العمانية، المعتمد في الأساس على التراث الأثري من جهة، والعادات والتقاليد العمانية الفريدة من جهة أخرى، وما يقوم به أبناء هذه الأرض الطيبة من حفاظ على المفردات البيئة والتراثية، ينتعش ويتحدث القاصي والداني عن مقوماته وإنجازاته، فقد اعتبرت مجلة "فوربس" الأميركية أن السلطنة تعد من أفضل وجهات السفر في منطقة الشرق الأوسط.
وقال تقرير جديد نشرته المجلة: إن السلطنة تزخر بالكثير من المعالم التاريخية والمناظر الطبيعية وأهلها يتمتعون بكرم الضيافة، مما أهلها لتكون أفضل مقصد للسفر. وأكد التقرير على أهمية مسقط الحافلة بوجوه التاريخ ومعالم الثقافة الثرية، وأنها تحتضن ميناءً تجاريًّا يربط بين الغرب والشرق، مما ساعدها على تبوؤ مكانة رفيعة أنتجت تفاعلًا عميقًا بين سكانها المحليين. واختتمت مجلة "فوربس" الأميركية تقريرها بالقول "أثناء وجود الزائر في عُمان لا ينتابه أي شعور بعدم الأمان، كما سيغمره كرم الضيافة والترحاب، وسيجد فرصة تبادل الأحاديث الودية مع المواطنين العمانيين.