[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/fayzrasheed.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. فايز رشيد[/author]
” .. إذا كانت الظواهر تؤخذ في سياقها الزمني (وفقا للفلسفة), فإن واقعنا الحالي أكثر من ردىء, بالنسبة للمخاطر العديدة والخطيرة المحيقة بالثورة الفلسطينية, ومحاولة تصفيتها نهائيا من خلال ما يعرف بـ "صفقة القرن". هذا في ظلّ الوقائع التي يفرضها العدو الصهيوني على الأرض, وإصراره على أن لا دولة ثانية ستقام بين النهر والبحر, غير إسرائيل, وأن الحقوق الفلسطينية تتمثل فقط في حكم إداري ذاتي...”

لعل الدكتور جورج حبش كان القائد الفلسطيني العربي الوحيد, الذي وضع يده على الجرح , حين طرحه سؤال : لماذا هُزمنا؟. بالفعل فحجم التضحيات الفلسطينية الهائل على مدى قرن زمني, لا يتناسب مع الإنجازات التي أحرزتها الثورة الفلسطينية المعاصرة. نقول ذلك, بعد فشل المباحثات الجدية التي دارت مؤخرا بين الجبهة الشعبية وحركة فتح في القاهرة, بشأن دورة المجلس الوطني الفلسطيني في رام الله, فقد أصرّ الإخوة في الحركة على موعد ومكان الانعقاد .عدّدنا في مقالة حديثة سابقة على صفحات "الوطن" مخاطر هذا الانعقاد تحت حراب الاحتلال الصهيوني, وعدم إمكانية 70% من أعضاء المجلس في الدخول إلى الأرض المحتلة, إضافة إلى عدم حضور العديد من الفصائل الفلسطينية لهذه الدورة بما فيها الجبهة الشعبية الفصيل الثاني في م .ت, ف. المفترض أن يكون انعقاد الدورة في إحدى العواصم العربية التي رحّبت بذلك, بمشاركة كل الفصائل والشخصيات الوطنية, ضمن اتفاق بين الجميع على جدول الأعمال, وأولّ بنوده إجراء مراجعة شاملة, وذلك وفقا لما تم الاتفاق عليه في بيروت, وتشكيل لجنة تحضيرية بشأن الإعداد لعقد المجلس الوطني, على أن تعقد اللجنة اجتماعات متتالية, لكن هذا لم يحصل للأسف!.
وإذا كانت الظواهر تؤخذ في سياقها الزمني (وفقا للفلسفة), فإن واقعنا الحالي أكثر من ردىء, بالنسبة للمخاطر العديدة والخطيرة المحيقة بالثورة الفلسطينية, ومحاولة تصفيتها نهائيا من خلال ما يعرف بـ "صفقة القرن". هذا في ظلّ الوقائع التي يفرضها العدو الصهيوني على الأرض, وإصراره على أن لا دولة ثانية ستقام بين النهر والبحر, غير إسرائيل, وأن الحقوق الفلسطينية تتمثل فقط في حكم إداري ذاتي على السكان في الضفة الغربية, وسط وجود عسكري إسرائيلي في المرتفعات وفي غور الأردن, والإشراف على المعابر والتحكم بدخول وخروج الفلسطينيين, وأن لا وقف للاستيطان, ولا انسحاب من القدس, ولا عودة للاجئين, ولا لسحب التجمعات الاستيطانبة من "أرض إسرائيل" ولا سيادة للفلسطينيين على الأرض ولا ما تحتها ولا على أجوائهم .. إلخ. بالطبع كل هذه القضايا تتفق عليها الأحزاب الصهيونية بيمينها ويسارها!
يأتي اجتماع دورة المجلس الوطني بعد قرار ترامب حول القدس, وبدء العديد من الدول(إلى جانب أميركا) في نقل سفاراتها إلى القدس, بعد إعلان نتنياهو "بأن إسرائيل ستعطي الأولوية في علاقتها للدول التي تنقل سفاراتها إلى القدس". يأتي انعقاد الدورة في ظل احتفالات إسرائيل بالذكرى السبعين لإقامتها( وهي ذكرى نكبتنا) وفي ظل مطالبة الحاخامات بالعودة إلى الشعار الصهيوني "بإقامة دولة إسرائيل الكبرى"- الحاخام كشتئيل- ,وإبادة الشعب الفلسطيني –الحاخام ديفيد دافيدو فيتش- وغيرهما بالطبع.
لكل هذه العوامل المطروحة بواقعية شديدة, من المفترض أن تكون دورة المجلس الوطني, دورة جديرة بالتحديات لمواجهة الأخطار المحيقة بالمشروع الوطني الفلسطيني, دورة في الخارج وبحضور كافة الفصائل, من أجل تجاوز الانقسام الذي يلحق أفدح الأخطار بالقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني, بعد كارثة اتفاقيات أوسلو, وفشل نهج المفاوضات العبثية مع هذا العدو السوبر فاشي ووصولها إلى طريق مسدود, هذا العدو الشايلوكي, الذي لا يفهم سوى لغة المقاومة المسلحة, دورة لتكريس الوحدة الوطنية كشرط أساسي لمرحلة التحرر الوطني الفلسطيني, دورة للمراجعة الشاملة واستخلاص الدروس والعبر من أخطاء وخطايا الماضي, والخروج ببرنامج وطني جديد يرد على كل المخاطر الحالية , دورة لإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها وإصلاحها, دورة تستجيب لطموحات شعبنا وتوازي نضالاته وتضحياته, وهو شعب أصيل, يسبق دوما قياداته.
ومن سؤال الحكيم جورج حبش, تتفرع العديد من الأسئلة: هل هي أزمة قيادة؟ أم أزمة بديل؟ أم أزمة برامج؟ أم أزمة نهج وتكتيك سياسي؟ بكل الوضوح نقول: إنها أزمة كل هذه القضايا مجتمعة, فقيادة لا تدرك المخاطر المحدقة بنضالها الثوري, ولا طريقة الرّد عليها! قيادة لا تحسن قراءة عدوها قراءة متواصلة من داخله وخارجه, ولا تدرك الحدود التي يصل إليها في الآفاق المطروحة لحل الصراع, وتجرّد نفسها من أقوى سلاح, وهو الكفاح المسلّح, وتوقع مع عدوها اتفاقيات لا تستجيب لأدنى حقوق شعبها, وتتخلى طائعة عن المقاومة, غير مدركة لحقيقة شعبها هي قيادة واهمة بالتأكيد.علينا أن نأخذ الدروس والعبر من كل تجارب حركات التحرر الوطني في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية, ونعزز التلاحم مع جماهيرنا العربية وفقا لنهج التلاحم العضوي ما بين الخاص الوطني والعام القومي, والقوى العالمية المساندة لحقوق شعبنا. إن التكتيك السياسي يتوجب أن يصبّ دوما في مجرى الهدف الاستراتيجي,الذي أثبتت الأحداث المتتالية أن لا تعايش مع هذا العدو, وأن استراتيجيتنا يتوجب أن تتمثل في تحرير كامل الأرض الفلسطينية. هذا بالطبع سيقيمه البعض على أنه حلم! ولكن الأهداف تبدأ دوما بحلم. لقد ثبت بالملموس أن قيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل هو حلم كبير, ووهم أكبر. نعم شئنا أم أبينا,عاد الصراع إلى مربعه الأول.