نزوى ـ من سالم بن خليفة البوسعيدي:
نظم مركز الخليل بن أحمد الفراهيدي للدراسات العربية بجامعة نزوى صباح أمس الندوة الدولية " العلامة الشيخ منصور بن ناصر الفارسي ت1976م ، حياته وفكره " التي تستمر لمدة يومين ، وتهدف الندوة إلى التعريف بمؤلفات الشيخ الفارسي المطبوعة والمخطوطة، وحثّ الدارسين على تحقيق وإخراج المؤلفات غير المنشورة بعد إلى جانب خدمة الحضارة العمانية بالتعريف بعلم من أعلامها في العصر الحديث والتقييم الموضوعي لآراء الشيخ الفارسي وآراء الدارسين لآثاره .
تشتمل الندوة على ست وعشرين ورقة بحثية محكمة لباحثين من مختلف الأقطار العربية تستعرض عدة محاور يتحدث الأول منها عن الجانب التاريخي لسيرته، والمحور الثاني عن الجانب التربوي والتعليمي، أما المحور الثالث فسيتعلق بالجانب العقدي والفقهي والقضائي، في حين يتطرق المحور الرابع عن الجانب الأدبي واللغوي للعلامة الفارسي.
أقيم حفل الافتتاح تحت رعاية معالي الشيخ سعود بن سليمان بن حمير النبهاني مستشار الدولة بحضور عدد من المكرمين أعضاء مجلس الدولة وأصحاب السعادة والفضيلة والاساتذة والاكاديميين وأعضاء الهيئات الادارية والتدريسية وطلبة الجامعة وتضمن كلمة مدير مركز الفراهيدي ألقاها الدكتور محمد بن ناصر المحروقي قال فيها : تأتي هذه الندوة الدولية عن الشيخ منصور بن ناصر الفارسي حياته وفكره مساهمة من جامعة نزوى ، ممثلة في مركز الخليل بن أحمد الفراهيدي للدراسات العربية والإنسانية في المسار المشار إليه من الدراسة الموضوعية المتأنية للتراث العماني، وتقديمه تقديما علمياً وفقاً للمناهج الحديثة . وهذه الندوة امتداد للندوة الدولية " الإمام محمد بن عبدالله الخليلي ودوره العلمي والحضاري في عمان". فالشيخ الفارسي أحد أركان هذه الدولة. وأكثر معاصريها إنتاجاً في علوم الشريعة والعربية وتكفي الإشارة أن للشيخ الفارسي خمسة عشر عملاً لم ير النور سوى أربعة إصدارات منها . وأضاف : إن الرسالة الأولى التي تبعثها هذه الندوة إلى الباحثين والأكاديميين هي المبادرة إلى تحقيق تلك المخطوطات ونشرها ولأجل ذلك، ولغرض تحفيز الباحثين ارتأت اللجنة المنظمة وضع مسابقة لكتابة البحوث الرصينة عن إنتاج الشيخ الفارسي ، معتمدة على مخطوطاته ووثائقه. وستقدّم للفائزين جوائز قيّمة. وسينشر في القادم من الأيام المزيد من التفاصيل حول هذه الجائزة .
كما ألقى الشيخ ناصر بن منصور الفارسي كلمة أسرة الشيخ العلامة الفارسي قدم خلالها شكره للقائمين على تنظيم الندوة التي تبرز علما من أعلام السلطنة .
كما تحدث سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة في تسجيل مرئي عن المكانة العلمية للعلامة الشيخ منصور بن ناصر الفارسي وألقى سعادة الشيخ أحمد بن سعود السيابي الأمين العام بمكتب الإفتاء كلمة حول الشيخ الفارسي وزمانه ونسبه وأعماله التي تقلدها طوال مسيرته كما تضمنت الجلسة الافتتاحية قصيدة شعرية للشاعر أحمد بن هلال العبري وفيلما وثائقيا لمركز الخليل .

المحور التاريخي

تطرقت الجلسة العلمية الأولى المحور التاريخي لحياة العلامة الشيخ منصور بن ناصر الفارسي حيث تطرق فضيلة الشيخ الدكتور عبدالله بن راشد السيابي نائب رئيس المحكمة العليا الى جهود الشيخ الفارسي في القضاء ، وقدمت الدكتورة بدرية بنت محمد النبهانيَّة المشرفة التربوية بالمديرية العامة للتربية والتعليم بمحافظة مسقط عرضا حول علاقة الشيخ الفارسي بالإمام محمد بن عبدالله الخليلي مشيرة إلى العلاقة التاريخية التي كانت تربط بينهما في الجانب العلمي علاقة الشيخ بتلميذه والجانب السياسي علاقة الإمام وأحد موظفي دولته وذلك من خلال تحليل الرسائل المتبادلة بينهما ومؤلفاتهما لبيان تلك العلاقة . كما تحدث الباحث خليل بن محمد الحوقاني رئيس قسم اللجان الداخلية بالهيئة العمانية للأعمال الخيرية عن الحياة العلمية للشيخ الفارسي وعلاقته بعلماء عصره مشيرا الى أهم شيوخه وتلاميذه ومؤلفاته، كما أبرز العلاقة التي تربط الشيخ الفارسي بعلماء عصره كالإمام الخليلي وغيرهم من أركان دولته، وفي مجال مخطوطات الشيخ الفارسي قدم سعود بن عبدالله الفارسي باحث بمركز الفراهيدي بجامعة نزوى قراءة في وثائق الشيخ منصور الفارسي حيث تعد الوثائق مصدرًا من مصادر التاريخ ؛ إذ إنها مادة يمكن من خلالها قراءة جوانب المجتمع المختلفة، والتعرف على أبرز الجوانب المهمة في شخصيات هذه الوثائق وتعنى هذه الورقة بقراءة الوثائق التي تخص الشيخ العلامة منصور بن ناصر الفارسي مشيرا الى أن هذه الوثائق التي عثروا عليها لا تشكل إلا نسبة صغيرة من جملة المكاتبات والمراسلات التي كان الشيخ منصور يتعامل بها مع الآخرين لاسيما أن الشيخ منصور اشتغل في سلك القضاء والإفتاء مدة طويلة تتجاوز نصف قرن من الزمان والصعوبة التي واجهتنا هي قلة الوثائق التي بأيدينا ؛ مما يعني أن القراءة في شخصية الشيخ منصور من خلال هذه الوثائق ستكون ناقصة وتأتي هذه الوثائق في خمسة أقسام وهي الإخوانيات (الوثائق الاجتماعية) وهي عبارة عن وثائق تحتوي على رسائل إخوانية، أو كتابة وصايا، أو قسمة لمال. والمراسلات العلمية : مسائل وبحوث بين الشيخ منصور وأشياخه أو بين الشيخ منصور وطلابه ، الصكوك : صكوك بيع أو إقرار أو توكيل كتب بعضها الشيخ منصور بصفته قاضيا في تلك المنطقة، وكتب بعضها فيما يبدو بصفته شخصا له مكانته العلمية والاجتماعية. القضايا القضائية : وهي وثائق يظهر فيها جانبا من أحكام الشيخ منصور القضائية ونقاشه ومراسلاته لبعض العلماء والقضاة لهذا الصدد ورسائل كتبها الشيخ منصور نيابة عن الإمام الخليلي وهي مجموعة رسائل كتبها الشيخ منصور نيابة عن الإمام الخليلي أو عليها تصحيح للإمام الخليلي .

الجانب التربوي والعلمي

وتضمنت الجلسة العلمية (الجانب التربوي والعلمي ) للشيخ الفارسي من خلال أربع أوراق قدم الورقة الاولى الدكتور سالم بن سعيد البوسعيدي من وزارة التربية والتعليم قال فيها : حضر الشعر التعليمي بقوة في حضارة عمان ومشهدها الثقافي ، وكان له دور كبير في نشأة الشيخ العلمية وأيضا في نتاجه التأليفي فبرزت قيمة الشعر التعليمي في عمان ، وحضوره في عصر الشيخ ، وعوامل اهتمام الشيخ به كما تحدث عن نتاج الشيخ في مجال الشعر التعليمي الديني، والشعر التعليمي اللغوي، والشعر التعليمي السلوكي، والشعر التعليمي التاريخي مبرزا السمات الفنية العامة في الشعر التعليمي عند الشيخ من حيث المستوى التركيبي (بناء المنظومة) والمستوى المعجمي (الألفاظ ودقتها ومستوى وضوحها) والمستوى البلاغي (الصور الشعرية) . كما تحدث الدكتور أحمد عبد المنعم أستاذ مشارك في الأدب القديم، بجامعة نزوى في الورقة الثانية عن المنهج التعليمي وملامح التجديد في « تقريب الأذهان إلى علمي المعاني والبيان » للشيخ العلامة الفارسي الذي يعد أحد أعلام الحضارة العمانية في العصر الحديث فألف مؤلفاته على ما كان عليه الناس من طرائق الأقدمين ، إلا أنه ومن خلال مؤلفاته المخطوطة ، وعلومه التي كان يتقنها ويعلمها لتلامذته ، كانت له بصمة في محاولة التجديد، فيما اختطه من منهج تعليمي، أو رضي عنه ممن سبقه، مع ملامح بيِّنة من التجديد الذي خالط معظم عطاءاته العلمية، ويمكننا ملاحظة ذلك من خلال : سعيه إلى تحقيق السهولة واليسر في البلاغة « تقريب الأذهان إلى علمي المعاني والبيان »، وحضور المتلقي دائما، سواء في مدرسته، أو من خلال مؤلفاته النثرية والنظمية ، أو من خلال الشروح من نحو شرحه للدرة البهية في علم العربية وغيرها ، وتعد كلها في المنهج التعليمي المتبع عند علمائنا القدامى ، إذ يُعنون بالإبانة والتوضيح وتيسير ما صعُب على الأفهام والأذهان وإضافة الشواهد اللازمة فهذا من العموم ، وأما الخصوص الذي توجَّه إليه البحث ، فهو وقوفه مع مخطوطة الشيخ العلامة منصور بن ناصر الفارسي رحمه الله « تقريب الأذهان إلى علمي المعاني والبيان » وهو توجُّهٌ بلاغيٌّ مميز من الشيخ في وقت قلَّ فيه الاهتمام بعلوم البلاغة العربية .
كما استعرض الأستاذ حمد بن سالم الراجحي مدير دائرة التربية الاسلامية بوزارة التربية والتعليم ( المنهج التربوي عند الشيخ الفارسي في التعليم ) مشيرا الى أن دراسته تهدف إلى الكشف عن طبيعة المنهج التربويِّ الذي انتهجه فضيلة الشيخ الفارسي في التعليم ، وتدريس الأبناء طرائق العلم أثناء تعليمه الطلبة في مسجد الجماعة بفنجاء وتعليمه الطلبة في جامع نزوى بعد انتقاله إليها فقام الباحث بتقصي السيرة العلمية للشيخ الفارسي من خلال دراسة نماذج من كتبه الفقهية العلمية : « رسالة الكلمة المحكمة في الرد على قضاة المحكمة » و « رسالة الدليل الواضح في حط الجوائح»، كتاب «عنوان الآثار » والتواصل مع أصحاب الشأن من أقاربه ومعارفه ومنهم ابنه الشيخ ناصر بن منصور الفارسي والشيخ سعود بن عبد الله بن حمد الفارسي (محقق كتاب عنوان الآثار ) و الشيخ ناصر بن محمد الزيدي من أصهار الشيخ الى جانب الاطلاع على ما كتبه الشيخ سيف بن محمد الفارسي في سيرته الذاتية: « حياتي »، حول شخصية الشيخ القاضي الفارسي وحياته العلمية وتحليله .

وقدم الدكتور سعيد بن محمد بن سعيد الريامي باحث غير مقيم بمركز الفراهيدي بجامعة نزوى ورقة حملة عنوان ( علاجات الشيخ الفارسيِّ ، والتي تعتبر مدخلا لفهم منهجيَّة الأطبَّاء القدامى في تشخيص الأمراض وعلاجها من خلال وثيقةً للشيخ الفارسي احتوت على قائمة طويلة من الأمراض ومسبِّباتها وعلاجاتها. وعبْر بحث في بعض مراجع الطبِّ القديمة – العمانية وغيرها – ثمَّ دراسة الوثيقة وتحليلها في ضوء هذا البحث ، تتَّضح معالم الفلسفة الطبية القديمة التي قامت عليها منهجيَّة الممارسة الطبيَّة، سواء عند الشيخ الفارسي أم عند غيره من الأطباء العمانيِّين وغير العمانيِّين. وهي منهجيَّة ذات أسس واضحة تتقاطع حينًا مع الأسس التي تقوم عليها ممارسة الطبِّ الحديث، وتختلف معها أحيانًا أخرى .

وتختتم اليوم الندوة العلمية للعلامة الشيخ منصور بن ناصر الفارسي ت 1976م ، حياته وفكره وذلك تحت رعاية سعادة الشيخ الدكتور خليفة بن حمد السعدي - محافظ الداخلية شاملة عرض البيان الختامي للندوة والتوصيات التي خرج بها الباحثون المشاركون كما سيتم خلالها استعراض باقي محاور الندوة المتمثلة في الجانب العقدي والفقهي والقضائي والجانب الأدبي واللغوي .
جدير بالذكر أن الندوة صاحبها معرضا يضم مجموعة من المخطوطات والآثار للشيخ الفارسي، إلى جانب عرض مجموعة من مؤلفاته، وأخرى من إصدارات مركز الخليل .