[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
ثمة شعوب استهلكت من فرط مابث في أدمغتها من مواقف ملزمة لها أو معلومات ضد آخر .. كل شعب مشغول إذن بذاتية تجعله أسيرا لها .. ولذلك نجح برنامج برمجة العقول بما يتناسب مع المبرمج، وجرى التلاعب بها إلى أقصى مايمكن كي تبقى مستفزة، أو منومة أو مصابة بهستيريا الفكرة التي اعتمدها رائدها.
خذوا أميركا مثلا والمواطن المسيطر عليه من قبل أجهزة إعلامه .. نمط حياته اليومي متشابه إلى أبعد حدود .. ليس هنالك فرق بين الاثنين والثلاثاء وبقية الأسبوع، أما السبت والأحد فهو يومه الذي يشبه كل فرصة تكررت.
العربي مثلا كثير التنوع في هذه الأيام، لكنه يستند دائما على ماض لايختلف كثيرا عن الحاضر .. لبنان مثلا في هذه الأيام التي جن فيها الانتخابات النيابية، يعيش المواطن فيه بأعلى درجات التوتر .. هنالك من يوجه يوميا كلاما محرضا قائما على أسلوب صراع ضد آخر ، وهذا الآخر شريكه في الوطن لكنه بات الآن في مرمى يراد من ورائه جعله سببا مباشرا من أجل التجييش.
من المؤسف أن قواعد الديمقراطية باتت فوضى في الانتخابات اللبنانية التي لاتتحمل مثل هذا الشكل من توتير المواطن لكسب أصواته، وكلما اقترب موعد الانتخابات سنكون مع كلام أقسى على مايبدو وعلى رفع وتيرة " العداء" .. والمشكلة في لبنان الذي يتكاذب فيه أناسه على أنه ديمقراطي، كل كلمة خصام تأخذ شكلا طائفيا ومذهبيا .. الجامعات محشوة بروادها ، لكن عقولهم مازالت محشورة في قلم النفوس وكما ولد من أب وأم، فهي منتهى التوتر، إذ لم يستطع التعليم تغيير العقول، بل بالعكس، تمكن العقل المسمم من اختراق الثقافات والتربية الوطنية والانتماء إلى الإنسان وحده.
إذن لكل مجتمع تم وضع الداء له وإيجاد الدواء الملائم .. والذين يريدون السلطة لافرق عندهم كيف تأتي، بل يجب أن تأتي .. مثلا، ولبنان هو المثل دائما، يقال الآن في الخطابات أن سوريا تتدخل في انتخابات لبنان .. تلك الكلمات لها معنى في نفوس كثيرين ويتم تبنيها دون التفكير بها، ودون أن يذهب أصحابها بعيدا بأن سوريا اليوم تكاد أن تكون مشغولة بحالها، بواقعها المأزوم الذي تطور كلما تقدم نحو حلول أو استشراف خيط أمل.
إنه التلاعب بالعقول في لحظة يسعى فيها الجميع لكسب الانتخابات النيابية، ودائما لبنان هو المقصد .. لاشك أن هنالك مايسمى بالشطارة اللبنانية التي تعرف اختيار اللحظة التاريخية لخطابها أو لمشروعها .. ففي بلد تتراكم ديونه لتتجاوز الثمانين مليار دولار، يصبح كل كلام خارج حل أزماته من ماء وكهرباء ونفايات وكثير من الأزمات المتراكمة، صورة غير منطقية عن عمليات التأجيل لحلول طال أمدها ، ولم تجد في أية حكومة مرجعا يسعى استراتيجيا للحل الدائم.
مسكينة الشعوب ، بل أود من فرط تخلفها أن اتهمها بالمسؤولية كاملة في ماوصلت إليه قضاياها وأزماتها .. من المؤسف أن رغيفها صار طائفيا ومذهبيا، وماؤها كذلك وحتى كهرباؤها، ونفاياتها، ومناطقها منقسمة حسب ذلك الترتيب الذي يمكن تفجيره بأقل من الكلمات أو بعناصر تخترعها دول الخارج عندما تشاء.
كان رئيس وزراء لبنان السابق سليم الحص يردد دائما أن في لبنان بعض الحرية لكن لاديمقراطية فيه، وتلك حقيقة نشهد لها.