[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/tarekashkar.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]طارق أشقر [/author]
بانعقاد مؤتمر تانا الخامس للسلم والأمن الإفريقي يومي السبت والأحد الماضيين بمدينة بحر دار الإثيوبية، والذي استهدف بحث كيفية الوصول إلى تفاهمات لدعم جهود الحكومات الإفريقية لتحقيق الأمن والسلام في الدول الإفريقية، تبدو صورة أوضاع السلام في القارة السمراء أكثر تعقيدا بالقدر الذي يستدعي توسيع وتعدد التعامل معها دون الارتكان فقط إلى الرؤى الأمنية.
وبينما يسود القارة الإفريقية الكثير من الصراعات المتباينة الأسباب، والتي بينها ماهو أشبه بالبركان الخامل الذي ينتظر تفاعل مكوناته ليفجر (القشرة) الخارجية للراهن الاجتماعي والسياسي في بعض المناطق الإفريقية، فهناك منها ما وصل إلى مرحلة المواجهة وحمل السلاح تأسيساً على الأسباب الحقيقية لتلك الصراعات، تظل القارة الإفريقية تحمل بين حدودها السياسية غير الواضحة المعالم الكثير من المتناقضات التي تحتاج معالجات قد تستغرق عقودا طويلة من السنين، وذلك لكونها حلولا تستهدف بالدرجة الأولى البنيات الاجتماعية والثقافية للمجتمعات الإفريقية.
وبنظرة فاحصة وسريعة إلى خريطة الصراعات الإفريقية، نجد أن الخامل منها مرده إلى (التنوع) الديموجرافي الذي يسود القارة من أقصاها إلى أقصاها، وذلك في ظل حالة أشبه إلى الفشل السياسي في إدارة ذلك التنوع الذي كان بالإمكان أن يكون مدعاة انطلاقة حقيقية للاندماج والانصهار الذي يمكنه أن يحقق النهوض والتنمية بمختلف مساراتها على المدى البعيد في القارة السمراء.
وفي سياق الحديث عن التنوع الدموجرافي نفسه نجد أن الكثير من الصراعات التي وصلت مراحل المواجهة المسلحة في إفريقيا انطلقت في الأصل بسبب انعدام النظرة الاستراتيجية البعيدة المدى في إدارة التنوع ، فنتج عن ذلك حروب دموية كارثية كتلك التي جرت بين التوتسي والهوتو في الكونجو الديمقراطية التي امتد أثرها ليحدث اضطرابا في معظم دول قلب إفريقيا متأثرة بصراع المصالح النابع بشكل أساسي من الانتماءات والتوازنات غير المحسوبة في تأييد وعدم تأييد الأطراف المتصارعة، حيث تأثرت بذلك الصراع مجموعة دول بينها بورندي ورواندا وتشاد وزامبيا وزمبابوي والكونجو وانجولا وغينيا وغيرها.
كما لم يقتصر ذلك التنوع في إفريقيا على التركيبة الديموجرافية فحسب ، بل يمتد ليشمل التنوع الثقافي، حيث تحتضن إفريقيا كافة الديانات السماوية وغير السماوية والأرواحية، وذلك في ظل قصور واضح لبعض الأنظمة السياسية التي يكون من مسؤولياتها إدارة شؤون مختلف تلك الأديان، حيث أدى قصور الظل الإداري والسياسي لبعض الأنظمة الإفريقية إلى أخذ بعض الصراعات منحى دينيا رغم أن بداياتها قد لا تكون منطلقاتها دينية، ومثال على ذلك صراع إفريقيا الوسطى المتمثل في مواجهات مليشيات "بلاكا" و"السيليكا"، حيث تطور الصراع بينهما لتأخذ الأولى صبغة إسلامية والثانية صبغة مسيحية.
كما يتسع التنوع الثقافي في إفريقيا أيضا ليشمل ماتعانيه القارة من تباينات في الثقافات المكتسبة المرتكزة على اللغة، وذلك في وقت توجد فيه من حيث التصنيف اللغوي إفريقيا العربية وغير العربية وإفريقيا الفرانكفونية الناطقة باللغة الفرنسية وإفريقيا الانجلوفونية الناطقة بالانجليزية بالإضافة إلى إفريقيا الناطقة باللهجات المحلية المتنوعة المكتوبة وغير المكتوبة، وكل هذا بالإمكان أن يصبح ثراء في صالح الإنسان الإفريقي ليسهم في توسع تواصله مع العالم الخارجي وليكسبه المزيد من فرص نقل المعارف والتكنولوجيا وتبادلها، وذلك في حال التفات الأنظمة السياسية الإفريقية إلى التعامل مع هذا المشهد برؤى استراتيجية بعيدة المدى حتى تفوت الفرصة على أي استغلال سلبي لذلك التباين.
وبين التنوعين الثقافي والديموجرافي، يأتي العامل الجغرافي ليشكل تحديا آخر وهو اتساع المساحات الجغرافية للدول الإفريقية وعدم قدرتها على السيطرة على حدودها السياسية في ظل ضيق ذات اليد الاقتصادية والعسكرية، مما يفتح المجال لجعل إفريقيا هدفا لانتشار أحدث الجماعات المتطرفة كتنظيم داعش، مما يشكل ضغوطا أمنية وعسكرية واجتماعية جديدة على الدول الإفريقية.
وعليه وكيفما كانت التباينات البينيوية في إفريقيا، يظل حسن إدارة التنوع هدفا ساميا ينبغي على النسخة القادمة لمنتدى تانا (السادس) للأمن والسلام في إفريقيا أن يأخذه في الاعتبار حتى يتمكن السياسيون من الاستعانة بشكل أفضل بالاجتماعيين من أجل وضع الأسس اللازمة لكيفية العمل على ترسيخ الانصهار والاندماج الاجتماعي لكافة مكونات المجتمعات الإفريقية في بؤرة الدولة الوطنية التي تلتقي كافة مكوناتها حول الدولة الوطن التي ينبغي عدم المساس باستقرارها مهما اختلفت القناعات السياسية.