ينظر إلى القطاع السمكي على أنه أحد القطاعات الإنتاجية المهمة، وذلك بالنظر إلى كونه ثروة تدر دخلًا وفيرًا على الدولة وعلى مزاولي مهنة الصيد، ومصدر أمن غذائي ووسيلة لسد الفجوة الغذائية، ومواكبة النمو السكاني المطرد، وقطاعًا قادرًا على توفير سبل العيش الكريم من خلال ما يوفره من فرص عمل، وبالإضافة إلى أنه أحد مصادر الدخل الاقتصادي، حيث يقوم القطاع بتشغيل عدد من القطاعات الأخرى بجانبه، كما يعد من القطاعات التي تحتاج أيديًا عاملة كثيفة، فالسمك يعد مصدرًا غذائيًّا مهمًّا لا غنى عنه لما يحتويه من عناصر غذائية وبروتينات وفيتامينات ومعادن يحتاجها جسم الإنسان.
ويعد قطاع الثروة السمكية في بلادنا ركنًا مهمًّا وأحد مصادر الأمن الغذائي والعيش الكريم، حيث شكل ارتباط العماني بالبحر مفردة من مفردات التاريخ العماني الضارب في القدم، وظل طوال هذه العلاقة يؤمِّن غذاءه من نعمة البحر على امتداد سواحله التي تتميز بها السلطنة، وبحكم هذه العلاقة انتعشت تجارة الأسماك وخصوصًا مهنة الصيد الحرفي فدفعت العماني إلى ابتكار وسائل الصيد البدائية من قوارب وشباك وغير ذلك، جعلت هذه الحرفة تلقى رواجًا وإقبالًا من العمانيين القدامى، ومع بزوغ فجر النهضة المباركة أولت حكومة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ هذا القطاع عناية مهمة، انطلاقًا من المكانة التي يحتلها القطاع (غذائيًّا واقتصاديًّا وتجاريًّا وصناعيًّا ومهنيًّا ومصدر دخل)، فعملت الحكومة على العناية بهذه الثروة، وبذلت الجهود في سبيل زيادة الإنتاج السمكي ورفع كفاءة القطاع واستدامته، ووضعت وفقه الخطط والاستراتيجيات، وسنَّت التشريعات والقوانين التي من شأنها أن تحافظ على هذه الثروة من الصيد الجائر، لا سيما في موسم التكاثر، فقننت فترات الصيد لمختلف الأسماك التي تشتهر بها السلطنة، سعيًا منها إلى الحفاظ على هذه الثروة، واستدامتها، ولضمان توافر الإمدادات الآمنة من المنتجات السمكية للاستهلاك المحلي، واستغلال المخازين السمكية، إضافة إلى زيادة استثمارات القطاع الخاص، وجذب الاستثمارات الخارجية في مشاريع الصناعات السمكية والاستزراع السمكي.
كما حرصت الحكومة ممثلة في وزارة الزراعة والثروة السمكية على دعم الصيد الحرفي، وشجعت الصيادين العمانيين على التمسك بهذه المهنة؛ مهنة الآباء والأجداد، من خلال مختلف أشكال الدعم المجاني أو القروض الميسرة وغير ذلك، وسعت إلى تعظيم العائد الاقتصادي من القطاع الذي سيفتح ـ دون شك ـ آفاقًا جديدة فيه، وسيشكل منفذًا للباحثين عن عمل، خصوصًا في الصناعات المكملة المرتبطة به، كما أنه يعد فرصة مواتية للشباب العماني للعمل في ريادة الأعمال بالقطاع، نظرًا لقلة تكلفة المشاريع السمكية نسبيًّا عن باقي القطاعات.
ويأتي في هذا الإطار تدشين وزارة الزراعة والثروة السميكة يوم أمس لأسطول الصيد التجاري والساحلي والقوارب المتطورة ضمن مبادرات مختبرات الثروة السمكية "تنفيذ". وحسب سعادة الدكتور حمد بن سعيد العوفي وكيل وزارة الزراعة والثروة السمكية للثروة السمكية فإن قطاع الثروة السمكية شهد نموًّا مستمرًّا على مدى السنوات الماضية وقدر الإنتاج السمكي لعام 2017م بــ348 ألف طن، محققًا معدل نمو (24%) عن عام 2016م، ويقابل ذلك زيادة في قيمة الإنتاج، حيث بلغت 227 مليون ريال لعام 2017م بارتفاع ما نسبته (12%) عن عام 2016م. كما أن أهمية القطاع انعكست بشكل جلي على مخرجات مختبرات الثروة السمكية (مختبرات الثروة السمكية ـ تنفيذ) والتي تمثلت في اعتماد 90 مشروعًا ومبادرة استثمارية للقطاع الخاص في أنشطة المصايد التجارية والصيد في أعالي البحار والاستزراع السمكي والتصنيع السمكي، بالإضافة إلى تطوير الصيد الحرفي وتمكين الصيادين الحرفيين، ومن المؤمل أن تبلغ القيمة الاستثمارية من القطاع الخاص لتلك المبادرات مليار ريال عماني بحلول عام 2023م. وتستهدف الوزارة زيادة الإنتاج السمكي من المصايد ليصل إلى 1.3 مليون طن بحلول عام 2023م، حيث يتوقع أن تبلغ مساهمات قطاع المصايد في الناتج المحلي 740 مليون ريال عماني، وتوفير 4000 وظيفة مباشرة، وذلك بحلول عام 2023م، وسيسهم القطاع الخاص بحوالي 93% من الاستثمارات لتلك المبادرات.
على أنه، وبالنظر إلى المكانة والاستراتيجية التي يمثلها القطاع السمكي، فإنه بات من المحتم على شبابنا أن ينخرطوا في هذا القطاع، ويمسكوا بناصية مهنة الآباء والأجداد ففيها الخير الوفير والربح الكثير، وضمان للعيش في الحاضر والمستقبل، وعدم تركها عرضة للهدر والاستغلال من قبل الأيدي العاملة الوافدة التي تتربح من ورائها، وتصبح هي المستفيد الأكبر إن لم تكن الأوحد، خصوصًا وأن الدعم الحكومي مستمر ومقدر، ووسائل الصيد قد تطورت عن الوسائل البدائية وكذلك، وسائل الحفظ والتخزين، فقد آن الأوان الانتباه إلى ثروة تتعرض للهدر والاستغلال الجائر من قبل أيدٍ غير عمانية.