إذا كنا أمس قد أكدنا على قيمة الإنسان العماني كأحد الإنجازات العظيمة للنهضة المباركة وذلك بحرصها على إعادة صياغة تكوينه العقلي والنفسي بالعلم والتعليم والثقافة وتحقيق رفاهيته وأمنه واستقراره، وربط حاضره بمآثر تراثه التليد كحلقة جديدة تضاف إلى سلسلة موغلة في القدم من الإشراقات والإبداعات العمانية، فإن هناك إنجازًا آخر عظيمًا يضاف إلى الرصيد الضخم من الإنجازات للنهضة المباركة التي استطاعت بفضل الحكمة النيرة وبُعد النظر والقدرة على استشراف آفاق المستقبل لباني نهضة عُمان الحديثة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ ألا وهو الإنجازات الاقتصادية العظيمة والمشاريع العملاقة والضخمة التي تنبجس ينابيعها في ربوع هذا الوطن الغالي.
ولما كان من الصعب في هذا الحيز المحدود، تعداد هذه الإنجازات والمشاريع للنهضة المباركة وإبداعاتها في شتى المجالات وفي جميع أرجاء الوطن، فإن روحانيات ذكرى يوم النهضة المباركة تفرض ذاتها كحدث وطني بامتياز للتعريج على الإنجازات الاقتصادية وغير الاقتصادية باعتبارها نجاحات خالدة وتحسب للنهضة المباركة، وحبات ماس تطرز الوطن، ولها قيمتها ومكانتها في وجدان المواطنين كافة الذين تابعوا الأحداث والإنجازات بدءًا من خطوة البداية التي انطلقت من الصفر تقريبًا في جميع مشاريع البنية الأساسية، وتواصلت وهي وتسابق الزمن بتوسع رأسي وأفقي، كمي وكيفي لتحقق مقولة جلالة السلطان المعظم بضرورة البدء من حيث انتهى الآخرون، بمعنى أن يتم إعادة البناء بأحدث ما توصل إليه العلم وتقنياته لتحقيق معدلات تنمية متسارعة تسمح ببلوغ مستوى الغير في فترة زمنية قصيرة للحاق بركب المجتمعات المتطورة، وإدراك ما فات بأعلى درجة متاحة من الإجادة القياسية.
ولأن التنمية الشاملة عملية مترابطة بين مختلف مجالاتها وبشكل عضوي، فإن إحراز أي تقدم في المجال الاقتصادي كان يوفر بالضرورة مصادر تمويل لتنفيذ مشروعات التنمية في جانبها الاجتماعي وهكذا.. وبفضل سياسات اقتصادية حكيمة ومرنة، استطاعت السلطنة في وقت قياسي أن تصل إلى الاستثمار الأمثل لمواردها الطبيعية من خلال تنمية إنتاجها النفطي، وتطوير وتحديث مواردها التقليدية غير نفطية المنشأ مثل الزراعة وصيد الأسماك ورعي الحيوانات واستحداث موارد أخرى جديدة ترفد الاقتصاد الوطني بمزيد من الأرصدة النقدية، انطلاقًا من التوجيهات السامية لجلالة عاهل البلاد المفدى ـ أيده الله ـ بأهمية المسارعة نحو إيجاد نوافذ اقتصادية واستثمارية جديدة لتنويع مصادر الدخل وعدم الاقتصار على النفط كمصدر وحيد للدخل، فهو سلعة لم تعد مضمونة ومأمونة الجانب بفعل المضاربات في الأسواق العالمية وتعلقها بالأحداث والمتغيرات الدولية.
وتعد الاستفادة من المناطق الصناعية ومن قطاع النقل البري والبحري والجوي، والاستفادة من الموقع الجغرافي من أبرز الأدلة على توجه الحكومة نحو تنويع مصادر الدخل، وذلك من خلال إنشاء الموانئ البحرية كميناء صحار وميناء شناص وميناء الدقم وميناء صلالة، والمطارات كمطاري مسقط وصلالة ومطار الدقم الذي أعلنت أمس هيئة المنطقة الصناعية الخاصة بالدقم التشغيل المبكر والذي يعد أول مطار إقليمي في السلطنة يتم تشغيله مبكرًا أمام الحركة الجوية ضمن جهود الحكومة لتسهيل تنقل المواطنين والمستثمرين إلى ولاية الدقم، حيث ينظر إلى هذا المطار إلى أنه دعامة كبرى لمنطقة الدقم الاقتصادية في استقطاب الاستثمار العالمي، ومن المؤمل أن يرى النور ـ كما صرح بذلك معالي الدكتور أحمد بن محمد الفطيسي وزير النقل والاتصالات ـ كل من مطار صحار ببدء التشغيل المبكر في نهاية هذا العام، ومطار رأس الحد خلال العام القادم.
ولهذا فإن حصول السلطنة على مراكز متقدمة في مجال الاقتصادية الأكثر انفتاحًا وشهادات تقدير دولية، لم يأتِ من فراغ، وإنما جاء ثمرة جهود حثيثة ومضنية وخلاقة وسلامة تخطيط، فهذه المراكز والشهادات هي وسام على صدر مجمل السياسات الاقتصادية العمانية التي تمضي قدمًا إلى الأمام بنهج واضح وأهداف ثابتة لتأهيل الاقتصاد الوطني للتعامل مع متغيرات الاقتصاد العالمي، تحقيقًا لأقصى فائدة ممكنة وتقليل المخاطر إلى أدنى حدودها. مع أهمية التأكيد على أن هذه النجاحات والإنجازات من المشروعات التنموية والخدمية تستهدف تحقيق رفاهية المواطن العماني وتحقيق العيش الكريم والاستقرار الاجتماعي.