إن المحن، والمصائب، والشدائد، والأزمات التي تحل بالإنسان، وتنزل بساحته، وتعكر له صفو حياته، وتكدر له معيشته، بحاجة إلى صبر وجلد، يقول الله تعالى: { ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والنفس والثمرات وبشر الصابرين* الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون* أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} سورة البقرة الآيات"155-157". إن ما يصاب به المؤمن من محن وشدائد في حقيقته وجوهره هو له لا عليه، يقول الله تعالى: { قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون} سورة التوبة الآية"51"، يقول الدكتور محمد محمود حجازي في تفسيره " التفسير الواضح" عند تفسيره لهذه الآية الكريمة: " قل لهم يا محمد: لن يصيبنا إلا ما كتبه الله لنا، وما كتب لنا فهو الخير والدواء، وإن كان مُرًا، فعلى رِسْلكُم أيها الناس، فنحن راضون صابرون مطمئنون لقضاء الله وقدره، فهذا هو الإيمان، لهذا على الله وحده فليتوكل المؤمنون، ومن يتوكل على الله فهو حسبه، والله كافيه وحافظه، وهو نعم المولى ونعم النصير".
ويقول الشيخ الشعراوي عند تفسيره لهذه الآية الكريمة: " وهكذا ترد المسائل كلها إلى حكمة خالق الكون ومدبره أمره، فإن ضربني أبي لأنني أهمل مذاكرتي، أيكون ذلك عقابًا لي أم لصالحي؟. إن أنت نظرت إلى المستقبل والنجاح الذي سوف تحققه في الحياة إن ذاكرت، فهذه العقاب لصالحك وليس ضدك، وكذا لابد أن تأخذ أحداثh في كونه بالنسبة للمؤمنين.... إذن: إن رأيتم مصيبة قد نزلت بنا وظننتم أنها تسيئنا فاعلموا أننا نثق فيمن أجراها، وأنه أجراها لحكمة تأديبية لنا، وأن كل شيء مكتوب لنا لا علينا.....
إذن: فنحن بإيماننا أن كل ما يصيبنا من الله هو الخير، وأن هناك أحداثًا تتم للتأديب والتهذيب والتربية؛ لنسير على المنهج الصحيح، فلا نخرج عنه، فالإنسان لا يربي إلا من يحب، أما من لا يجب فهو لا يهتم بتربيته، فما بالنا بحب الخالق لنا؟. إن الأب إن دخل البيت ووجد في فنائه عددًا من الأولاد يلعبون الورق، وبينهم ابنه، فهو ينفعل على الابن، ولكن إن دخل البيت ووجد أولاد الجيران يلعبون الورق فقد لا يلتفت إليهم، فإذا أصابت المسلمين ما يعتبره المنافقون والكافرون مصيبة يفرحون بها، فهذا من غبائهم؛ لأن كل ما كتبه الله هو لصالح المؤمنين به، إما أدبًا، وإما ثوابًا، وإما ارتقاءً في الحياة، ولذلك فهو خير، ومن هنا كانت الآية الكريمة..... وما كتب الله للمؤمنين إنما هو في صالحهم".
وفي السياق ذاته يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر؛ فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر؛ فكان خيرًا له" رواه مسلم وغيره، ويقول ابن مسعود رضي الله عنه: المؤمن يتقلب بين مقام الشكر على النعماء، وبين مقام الصبر على البلاء، وجاء في الأثر أن عنوان السعادة في ثلاث: من إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر، وإذا أذنب استغفر.
إن الصبر بحاجة إلى عزيمة، وقوة إرادة، ورابطة جأش، ويقول الله تعالى: { وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور} سورة آل عمران الآية"186"، ويقول الله تعالى: { ولمن صبر وغفر إن ذلك من عزم الأمور} سورة الشورى الآية"43"، ويقول الله تعالى: { واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تكن في ضيق مما يمكرون إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون} سورة النحل الآية"128"، ويقول الله تعالى: { وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئًا} سورة آل عمران الآية"120". ويقول صلى الله عليه وسلم: " من يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحدٌ عطاءً خيرًا وأوسع من الصبر" رواه البخاري ومسلم. للحديث بقية.

د/ يوسف بن ابراهيم السرحني