[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/uploads/2016/11/yousef.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]يوسف الحبسي[/author]
(السلطانة جومبيه فاطمة ابنة السلطان "رامنتاكا" ملجاشي الأصل من مدغشقر، هرب من بلاده بسبب صراعات على السلطة هناك، واستولى عنوة على الحكم في جزيرة موهيلي القمرية الوادعة في عام 1832م، وتسمى باسم عبدالرحمن، وأعلن إسلامه، وتحالف بعدها مع السلطان سعيد بن سلطان، سلطان عمان وزنجبار، وأوصى قبل وفاته أن تخلفه ابنته فاطمة في حكم موهيلي، التي وصفها معاصروها بـ"حالة مرضية متقلبة المزاج" والتي تنافست على كسب ودها وخطبة يدها أطراف دولية وإقليمية ومحلية تنافسا محموما).


اتفاقية التنازل الموقعة بين السلطانة فاطمة و"لامبير" التي تنص على التخلي عن جميع الأراضي الزراعية التي يريدها لامبير في موهيلي لقاء حصول السلطانة على 5% من قيمة أرباح الاستثمار، مع تعهدها بتقديم الأيدي العاملة لهذا المشروع، مثلت نقطة تحول خطيرة وفاصلة في تاريخ هذه الجزيرة وشكلت بداية فعلية وحقيقية لمرحلة الاستعمار اللاحقة.
تمكن لامبير الذي أصبح ـ في وقت قياسي ـ المحرك الأساسي للجزيرة، من تعزيز موقعه في مشهدها السياسي أكثر منه الاقتصادي والزراعي، فأصبح مستشارا خاصا للسلطانة، فأخذ يصول ويجول في دهاليز الحكم بلا منازع، متحكما في مفاصل القرار السياسي والحراك الاقتصادي، دون رقيب ولا حسيب، بل ذهب أبعد من ذلك، بتحويل الجزيرة إلى محمية فرنسية حقيقية قبل أن يحين الأوان، وباعتباره بمثابة ممثل رسمي معتمد لفرنسا على درجة مقيم أو عامل قنصلي، وشيد قصره الخاص الذي رفع عليه العلم الفرنسي ضاربا عرض الحائط الأعراف الدولية والأدبيات الدبلوماسية، وقواعد المجاملة والضيافة والمراسيم البروتوكولية، مما كان موضع تساؤل واستياء بعض ضباط البحرية الفرنسية أنفسهم قبل غيرهم.
وقبل مجيء أبناء السلطانة بشهر وفي عام 1867م سافر لامبير إلى رينيون لشراء مصنع سكر، ثم عاد إليها مرة ثانية في يوليو من العام التالي، تاركا السلطانة في وضع مادي محرج، حيث إن المشاريع لم ترَ النور، والاتفاقية لم تأتِ أُكلها بعد، وبالتالي لم تستفد هي ماديا بعد من شركة لامبير إلا بعض الهدايا والمجوهرات من المزارع لامبير نفسه.
فعندئد عاد إلى الجزيرة ثلاثة من أبناء زوج السلطانة الأول سعيد بن محمد بن ناصر البوسعيدي، وقد كان هؤلاء الثلاثة قد غادروا الجزيرة، وغابوا عنها، منذ تسع سنوات مضت، قبل إبعاد والدهم عنها، وعاشوا خلال إقامتهم في زنجبار، في ضيافة السيد ماجد، على البلاط السلطاني، وهم سيف بن سعيد بن محمد البوسعيدي الذي كان في الثلاثينيات من عمره والمعروف بذكائه وحيويته.
خضعت السلطانة حسبما تشير بعض الوثائق إلى الاستجواب من قبل السلطات الفرنسية التي لم ترحب بعودة الإخوة الثلاثة، ونظرت إلى الأمر على أنه امتداد للنفوذ العربي العماني الذي كان يمثله والدهم، ففي رسالة توضيحية وجهتها السلطانة إلى السلطات الفرنسية في مايوت كتبت "إن وصول سيف وأخويه إلى فومبوني كان قبل شهر من سفر لامبير إلى رينيون أي في شهري مايو ويونيو 1867م" ونوهت السلطانة بعد ذلك بأنها هي التي طلبت عودة سيف بن سعيد، وذلك لاستخدامه كسكرتير خاص لها للغة العربية.
سيف وأخوه عبدالله اغتنما فرصة غياب لامبير عن الجزيرة لتحريك الوازع الديني والوطني وحشد الرأي العام لدى أهالي الجزيرة وبخاصة أنصار البوسعيديين والموالون لهم والمحسوبون عليهم ضد تصرفات لامبير، كاشفين النقاب عن وجه اتفاقيته القبيحة ومساوئها وأضرارها البالغة، فلم يجدا صعوبة تذكر في إقناع السلطانة فاطمة بهذه الحقيقة المرة، وبأنها جانبت الصواب والحكمة في منح هذا الامتياز.
وفي ضوء هذه القناعة أخذت السلطانة تتجه نحو منعطف آخر، وبدأت في شهر أغسطس 1867م تبتعد عن المزارع لامبير، ووجدت السلطانة نفسها أمام ثورة شعبية عارمة بسبب تورطها في التوقيع على الاتفاقية مع لامبير... يتبع