[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/abdellatifmhna.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عبداللطيف مهنا[/author]
هناك خطل ممجوج في طروحات سادت في بازار التجاذبات بين قوى الساحة على اختلافها، من مثل، "تفعيل" المنظمة، والذي لا يعني موضوعيا، وبالنظر لمصادرة طرف لها بالكامل، سوى الاحتفاظ براهنها مع قليل من البهرجة هروبا من استحقاق إعادة بنائها على أسس ديموقراطية ووطنية سليمة، وآخر لا يقل خطلا من سابقه، وهو بناء كيان مواز، أو بديل لها، وفي كل هذه الوصفات، التفعيل والموازي والبديل، إمعان في إبقاء الراهن المشين المؤذي، بل الكارثي...

أطلق إصرار السلطة على عقد دورة عادية للمجلس الوطني الفلسطيني في رام الله المحتلة حددت موعده ودعت إليه، جدلا عارما في الساحة الفلسطينية. هذا الجدل هو إلى تصاعد ولن يتوقَّف إلى حين استبداله بآخر سوف يعقب انعقاده ويدور حينها حول قراراته. كل أطراف الساحة تدلي الآن بدلوها في بئر هذا الجدل الجافة. معمعته المشتعلة راهنا تعدَّت الحدث نفسه لمسألة أكبر منه. إنها إشكالية حالة الإعاقة المزمنة التي لحقت عن عمد وسابق إصرار بمنظمة التحرير، بالحاضنة للهوية الوطنية والنضال الوطني الفلسطيني، أو هذه البلوى التي بدأت مع بدء الجنوح الأوسلوي، والتي ليس انعقاد دورة مجلسها الوطني مثار الجدل في كنف الاحتلال وعبر التنسيق الأمني معه، سوى واحدة من أعراض هذه الحالة المتعمَّد منع معالجتها. 
للجدل المنصب على الحدث بذاته، مبتعدا، ومن أسف، عن مقدماته الأصل، طرفاه الأساسيان، بطبيعة الحال، واللذان يُفترض أنهما نقيضان محال التقاؤهما، اللهم إلا إذا التحق أحدهما ببرنامج الآخر، وهما التسوويون الأوسلويون، والمقاومون، ومعهم المعارضون. لكنما، ومن عجب، هو في أغلبه تجاذب، وإن احتدم، لكنه لا يقارب كما يفترض جوهر هذه الإعاقة، وإنما يحوم من حولها مكتفيا بنبش قشورها وتشخيص تداعياتها.
الأوسلويون، وانسجاما مع نهجهم، والذي ثبت الآن، حتى لمن لا يريد تثبتا، أنهم ليسوا في وارد العودة عنه ولا هو بمقدورهم، لهم منطقهم المستهدف إعادة إنتاج أدواتهم، حيث المنظمة وهيئاتها بلا استثناء لحمة وسداة هذه الأدوات، في مواجهة تبعات انسداد مشروعهم التسووي، ومداهمة "صفقة القرن"، بوجهيها الأميركي والعربي، لهم، ذلك عبر التكيّف مع المُداهم الموشك بإعداد الجسور لملاقاته، والتي ستوفرها لهم ملصقةً بها زائف شبهة المشروعية، قرارات المجلس العتيد. لذا، قال قائلهم، وهو عزَّام الأحمد فأسمع المعترضين: سنعقده في موعده و"شاء من شاء وأبى من أبى، ومن لا يرضيه يشرب البحر"!
والمعترضون، وإن لا تخلو مواقفهم من تفاوت، لا يعوزهم سوق سيل من العورات، مؤسساتيا ووطنيا، التي تشوب مثل هذا الانعقاد نازعةً عنه لبوس المشروعية الزائفة، إلى جانب خطورته وتداعياته الكارثية، ليس على أمل الوحدة الوطنية غير المتوافرة فحسب، بل على القضية برمتها... ومنه، إن المدعو للانعقاد في ظل الاحتلال وبموافقته ومن خلال التعاون الأمني، هو هيئة باتت مفتقدة للمشروعية الوطنية، إلى جانب افتقادها للمشروعية المؤسساتية، وانعقاده مخالف لمخرجات مؤتمر بيروت في العام المنصرم، وحتى للوائح تأسيسه، ناهيك عن أنه لم يعقد دورة عادية واحدة منذ 22 عاما، والمتوفّون من أعضائه المعتَّقين بلغ 116 مرحوما، ومن ما زالوا أحياءً بلغ بهم العمر عتيا، ومنهم من لم ينجُ من الزهايمر، ومن ثم لسوف تملأ شواغره بمشايعين اوسلوستانيين. 
أضف إليه، أن مئةً من أعضائه اعتذروا عن تلبية الدعوة وناشدوا رئيس المجلس بتأجيل انعقاده لأجل غير مسمى معددين تداعيات مثل هذا الانعقاد الخطرة على القضية ومأمول الوحدة الوطنية. وهناك غيرهم ممن أعلنوا منفردين رفضهم المشاركة، ومن تم إقصاؤهم باستثنائهم من الدعوة للحضور، رغم كونهم أعضاء سابقين مزمنين في اللجنة التنفيذية للمنظمة، مثل، فاروق القدومي وياسر عبد ربه وعلي إسحاق. والأهم هو أن ثلاثا من كبريات التنظيمات قد أعلنت مقاطعته، وأخريات يتريثن، وبعضهن يساومن، والمنتظر مزيد ممن سيفصحن عن رفضهن الحضور. 
إذن، على المستوى الوطني هناك إجماع شعبي على رفض هذا الانعقاد للأسباب المشار إليها مجتمعة، إجماع من لا يرى أن هذا المجلس براهنه يمثِّله، ويتوجَّس من أن قراراته مبيَّتة وستمرر بأغلبية من حضر، وستكون في مثل هذه المرحلة البائسة وبالا على القضية، إذ ستصب في مجرى صفقة ترامب وصهاينته وعربه، هذه الضابطة رتمها على وقع احتفالية العدو بسبعينية النكبة الفلسطينية...سيكون همروجة إضفاء شرعية ممن لا مشروعية له على ما لا شرعية له.
وعود على بدء، وإزاء مستحكم إشكالية إعاقة أوصل الأوسلويون المنظمة لمكابدتها لأكثر من عقدين خليا، وحيث تمكَّنوا من تحويلها من التحرير، الذي أُجدت من أجله أصلا وتكنَّت به، إلى التمرير الذي ركنت من أجله جانبا لكي تستحضر هيئاتها للبصم على التنازلات حين الطلب، هناك خطل ممجوج في طروحات سادت في بازار التجاذبات بين قوى الساحة على اختلافها، من مثل، "تفعيل" المنظمة، والذي لا يعني موضوعيا، وبالنظر لمصادرة طرف لها بالكامل، سوى الاحتفاظ براهنها مع قليل من البهرجة هروبا من استحقاق إعادة بنائها على أسس ديموقراطية ووطنية سليمة، وآخر لا يقل خطلا من سابقه، وهو بناء كيان مواز، أو بديل لها، وفي كل هذه الوصفات، التفعيل والموازي والبديل، إمعان في إبقاء الراهن المشين المؤذي، بل الكارثي...كما أن استمراء وضع قدم في موقع المقاوم وأخرى في الموقع الأوسلوي خطيئة تسهم في استمرارية المراوحة بين الخطيئتين السابقتين.
...المطلوب هو استعادة المنظمة من مختطفيها، وإعادة الاعتبار لميثاقها الوطني الأصل، وإعادة بنائها على أساسه، وبمشاركة كافة ألوان الطيف الوطني، قوى وهيئات وفعاليات شعبية، وطنا وشتاتا.