[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
لافت كان البيان الأممي الأوروبي المشترك في العاصمة البلجيكية بروكسل قبل أيام والذي أطلق فيه ضمير أوروبا إزاء اللاجئين السوريين في لبنان حين دعا بشكل صريح لتوطينهم حيث هم على الأراضي اللبنانية.
مع أنني لا أحب استعمال كلمة مؤامرة، إلا أن الدعوة الأممية تلك تتجاوز هذه الكلمة لتتحول إلى إصابة مباشرة لسوريا في صميمها حيث تعرضها للتفتيت والتشريد والتقسيم ليس فقط للأرض، بل للإنسان العربي السوري كما جاء في كلام لرئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري.. أعقبه موقف صريح أيضا لرئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون عبر فيه عن رفضه للبيان، معتبرا أنه يعرض لبنان للخطر بعد أن خير السوريين بالبقاء على الأراضي اللبنانية.
أما الحكومة اللبنانية فكان لافتا موقفها اللامبالي، وهو ما يترك أكثر من علامة استفهام .. بل إذا استرجعنا واقعا ملموسا عاشته قضية النازحين السوريين في لبنان، سنجد أغرب تحركات خصتهم. فالأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كين مون كان زار مخيماتهم في لبنان وطالب يومها بصريح العبارة توطين نصف مليون سوري في لبنان .. بل الأكثر لفتا، مجيء رئيس فرنسا السابق هولاند إلى بيروت من أجل هدف واحد هو زيارة مخيمات النازحين السوريين، إضافة إلى زيارات دولية ألمانية وأميركية وغيرها .. وما البيان الأممي الأخير في بروكسل سوى انعكاس لتلك التحركات السابقة، بل هو لم يأتِ من فراغ، وهو الذي جعل الاهتمام الحكومي بالنازحين لافتا للنظر من حيث عدم الاهتمام بوجودهم، بل كلما سئل عنه كان الرد يجب أن يعودوا بإشراف دولي، ما عنى العديد من التفسيرات واللغط، إضافة إلى الإشاعات التي تناولت هذا الملف من تدخلات عربية أيضا لأكثر من سبب لا مجال لذكرها في هذه الظروف، وما يبيت لها من مفاهيم تشكل خطرا على الديموغرافيا اللبنانية، ولعلها الأساس في ما تصبو إليه.
لكن العارفين أيضا بأمور هذا الملف الخطير على لبنان وسوريا، أن الاهتمام الأوروبي والغربي عموما لا ينطلق إزاءه من روح إنسانية وحرص عليه وعلى السوريين، بل من خوف انتقالهم إلى أوروبا، وذاكرة الأوروبيين في هذا المجال لا تزال قائمة أمام الحشود السورية التي اخترقت الحدود الأوروبية لتصل إلى ألمانيا وغيرها .. من هنا الإصرار الأوروبي على إبقاء السوريين حيث هم .. وقد كان الرئيس التركي أردوغان أشطر اللاعبين بهذا الملف، حين سرب إلى أوروبا كمية منهم فطار صواب الأوروبيين الذين عاجلوه بدفع المليارات له مقابل بقائهم عنده .. أما في لبنان فرغم الوعود بالمساعدة المالية، إلا أن النزر اليسير وصل الحكومة، فكان أن غطى لبنان الجزء المتبقي وهو الذي صار بالمليارات أيضا، ناهيك عما يناله النازح السوري من كهرباء وماء وخدمات عامة وضغط على البلد.
بكل بساطة إذن، لم يتأخر المجتمعون الأمميون في بروكسل من تطيير موقف يضمر للبنان الشر ولسوريا كل الشرور، ويظهر سلفا المعنى السياسي لهذه القضية الشائكة، والتي مؤداها أن المؤامرة على سوريا طويلة الأمد، وأن التلاعب بالكيان السوري قائم وسيبقى طويلا إلى أن تنجلي المواقف الأخيرة للأميركيين الذين لم يعد يفهم الرأي الأخير للرئيس الأميركي ترامب حول الانسحاب من سوريا أو عدمه، بل حول الكلام المتطاير عن دعوة أقطار عربية متعددة للحلول مكان القوات الأميركية الأمر الذي يؤشر إلى خطر كبير إن هو تحقق بهذا الشكل الذي يحكى عنه.