يقول الله تعالى ( إنا أنزلناه في ليلة القدر ) يعني بذلك القرآن الكريم ، أي أن الله تعالى شرّف هذه الليلة المباركة ، بأعظم تشريف وهو نزول القرآن الكريم فيها وهنا نقول إننا في شهر عظيم القدر فيه ليلة عظيمة القدر ، نزل فيها القرآن الكريم على نبي له قدر عظيم عند رب العالمين .
هذه الليلة جاء في بيان فضلها بنص القرآن الكريم أنها ليلة خيرُ من ألف شهر فمن حُرم فضلها فقد حُرِمَ خيراً كثيرا . قال القرطبي رحمه الله تعالى : نزلت التوراة لست مضين من رمضان ، والإنجيل لثلاث عشر منه ، وصحف إبراهيم في أوله ، وقال كثير من المفسرين ( العمل فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة قدر ) وقال كعب الأحبار رضي الله عنه : كان في بني إسرائيل ملك صالح ، فأوحى الله تعالى إلى نبيهم : قل له : يتمنى ، فقال : أتمنى أن أجاهد في سبيل الله بمالي وولدي ، فرزقه الله تعالى ألف ولد فصار يجهز الولد فيجاهد حتى يُقتل شهيدا ، ثم يُجهًز الآخر فيقُتل شهيدا وهكذا حتى قُتلوا في ألف شهر ، فقال الناس : لا يدرك فضله أحد ، فأنزل الله تعالى هذه السورة . وقال أبو بكر الوراق : كان مُلك سليمان عليه السلام خمسمائة شهر ، وملك ذو القرنين خمسمائة شهر ، فجعل العمل في هذه الليلة خير من ملكهما . إن ما ذكرناه في هذه المقدمة قليل من كثير، لا يتسع له المجال هنا عن بيان وفضل هذه الليلة المباركة ، ويكفينا أن الله تعالى وهو أصدق القائلين هو الذي أخبرنا عن فضلها ، وأنها تعدل في الثواب لمن قامها ألف شهر من العمل في غير شهر رمضان .ولقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فضلها أيضا فقال ( من حُرم خيرها فقد حُرمَ الخير كله ) ويشاء الله تعالى أن يجعلها في العشر الأواخر من شهر رمضان ، ولم يُحددها في ليلة معينة ، حتى يجتهد العباد في الليالي العشر الأخيرة بكاملها ، وبذلك ينالون الثواب العظيم من الله تعالى ، ويكفينا أن نتذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدًم من ذنبه ) ومع كل ما ذكره العلماء عن فضل ليلة القدر ، تجد بعض المسلمين يُفرّطون فيها ويتساهلون ، ولا يحرصون على قيامها لله تعبدا ، وهنا أذكر موقف للحسن البصري رحمه الله تعالى . عندما مرً بقوم يضحكون فقال لهم ( إن الله تعالى قد جعل شهر رمضان مضمارا لخلقه يستبقون فيه بطاعته ، فسبق أقوام ففازوا ، وتخلًف أقوام فخابوا ، فالعجب للضاحك اللاعب ، في اليوم الذي فاز فيه المسارعون ، وخاب فيه الباطلون أما والله لو كُشف الغطاء لاشتغل المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته . فالله الله أخا الإسلام اجتهد أن تكون من السابقين ولا تكن من المتأخرين، في شهر شرّفه رب العالمين فالله الله ، فلنودّع ضيفنا رمضان بالكرامة ، ولنحرص فيه على طلب طريق الاستقامة ، إلى أن يُفضي بنا إلى دار الكرامة وينجينا الله به من هول يوم القيامة فهذه وصية للتسابق إلى فعل الخيرات ، في شهر البركات ، والله سبحانه وتعالى، لا يضيع أجر من أحسن عملا . إن رحمة الله تعالى واسعة ، وهو يقبل توبة التائبين ، فهنيئاً لمن أطاع الله تعالى واتقاه ، وهنيئاً لمن يحرص على قيام شهر رمضان لله طائعاً، فقام ليله وصام نهاره ، وحرص على قيام ليلة القدر في خشوع لله رب العالمين ، وهنيئاً لمن أطاع الملك الرحمن ، في شهر الرحمة شهر رمضان ، لقد صبر الصائمون الأيام القليلة ، فأعقبهم الراحة الطويلة والنعمة الجزيلة ، فيا أخا الإسلام : هذا شهر تُستر فيه القبائح والعيوب ، وتلين فيه النفوس والقلوب ، وتُغفرُ فيه الأوزار والذنوب ، ويُنفس الله فيه عن الحزين المكروب ، فوصيتي لكل مسلم ومسلمة : أن لا تُضيعوا هذه الليلة في اللعب واللهو ، بل اغتنموها في العبادة والخشوع والتقرب إلى الله تعالى ، وأكثروا فيها من الدعاء المأثور عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ( اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا ) ما أسهله من دعاء وما أيسر كلماته ، لكنها لها فضل عند الله تعالى عظيم ،إننا في أمسً الحاجة إلى الرجوع إلى رب العالمين ، كي يتوب علينا من المعاصي والذنوب ، وهذه منحة من الله تعالى لعباده المتقين فلنغتنم، هذه الفرصة ولنكثر من الاستغفار، فإن لله في أيام دهركم لنفحات ألا فتعرضوا لها . اللهم ياربنا يا أرحم الراحمين نسألك أن توفقنا ، وتهدينا إلى فعل الخيرات ، وترك المنكرات ، وتجعلنا من عتقاء شهر رمضان اللهم آمين .. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

(( إبراهيم السيد العربي ))