الرستاق ـ من سيف بن مرهون الغافري:
أكدت محاضرة الأفلاج والحضارة العمانية التي نظمها فريق الحجر الغربي بولاية الرستاق مؤخرا بالتعاون مع اللجنة الثقافية بنادي الرستاق على أهمية المحافظة على الإرث الحضاري والتاريخي للأفلاج العمانية من خلال سن قوانين لحماية أحرامات الأفلاج ، وتدوين كل ما يتعلق بها من تقنيات وثقافة وتاريخ ، وحماية الأراضي الزراعية من الزحف العمراني والصناعي، وإدخال علوم الأفلاج في المناهج الدراسية، وتدوين جميع حقوق مياه الأفلاج في قاعدة بيانات حية.

أهمية الفلج
ألقى المحاضرة الدكتور عبدالله بن سيف بن سالم الغافري مدير وحدة بحوث الأفلاج بجامعة نزوى الذي تحدث في بداية محاضرته عن تعريف الفلج وأهميته فهو يمثل مصدر للماء ، ومصدر زراعي واقتصادي ومورد سياحي ، كما أن الفلج يعتبر تراث وتاريخ وثقافة ونظام بيئي ، مؤكدا بأن الفلج يعتبر مصدر حياة يقوم على أساسه الاقتصاد وتبنى عليه العادات الاجتماعية والنظم الإدارية ، ثم استعرض مكونات الفلج وهي: أم الفلج (المنبع) ، ورأس الفلج ، والعاضد ، والساعد، كما تحدث عن النشأة التاريخية للأفلاج وانتشارها في قارات العالم كنظام للري مستعرضا عدد من الصور لأفلاج في دول الخليج وإيران وسوريا والمغرب والجزائر وأذربيجان واليابان والصين وكذلك في دول أمريكا اللاتينية ، وذكر بأن مسميات الفلج تختلف من دولة لأخرى ، كما يسمى وكيل الفلج في بعض الدول بأمير الماء وشيخ الماء ، وأشار بأن الأفلاج الغيلية نشأت في العصور الحجرية القديمة والعصر الحجري الحديث ، وتعود نشأة الأفلاج العدية إلى العصر البرونزي ، أما الأفلاج العدية الكبيرة فتعود نشأتها إلى العصر الحديث ، وأكد بأن سلطنة عمان شهدت خلال الفترة الأولى من حكم دولة اليعاربة تطورا كبيرا في شق الأفلاج حيث تم شق الكثير من الأفلاج في مختلف أرجاء البلاد ، واستعرض بعض الأمثلة للبراعة الهندسية لدى العمانيين في شق الأفلاج كما هو الحال في فلج الميسر بالرستاق والملكي بأزكي وفلج دارس بنزوى وبعض أفلاج وادي بني خروص وذلك من خلال تصميم قنوات نقل الماء والجسور وكذلك البرك المجمعة للماء.
وتطرق الدكتور عبدالله الغافري في محاضرته إلى الفلج والثقافة العمانية مشيرا بأن للفلج تأثير في كل نواحي الحياة ويتجلى ذلك من خلال القصائد الشعرية والقصص القصيرة والرواية ، والأساطير والحكايات الشعبية والتاريخ المروي ، واللهجة المحلية والأمثال الشعبية ، ومفردات اللغة حيث الكلمات العمانية كالطامي والسبحة وهي قطعة الثوب المستخدمة لحجز الفلج وغيرها من المفردات ، بالإضافة إلى مسميات الأماكن ومنها: فلج بني خزير ، فلج بني ربيعة ، حيل العوامر ، العين ، فلج الوسطى وغيرها الكثير من المسميات في مختلف ولايات السلطنة ، ثم تحدث عن أنواع الملكيات الخاصة للأرض والمياه والتي تنقسم إلى أربعة أنواع وهي: مالكون للأرض والماء ، مالكون للأرض ويستأجرون المياه ، مالكون للماء ويستأجرون الأرض ، يستأجرون الأرض والمياه ، كما استعرض أنواع حقوق المياه في الأفلاج وهي: حقوق مياه مجانية لتلبية احتياجات الإنسان الأساسية ، حقوق عامة ملك للدولة ، حقوق محلية ملك لمجتمع الفلج ، وحقوق خاصة.
ثم عرج بعد ذلك للحديث عن طرق توزيع ماء الفلج والأدوات المستخدمة لضبط التوزيع كاللمد (الساعة الشمسية) والطاسة (الساعة المائية) بالإضافة للنجوم وتتعدد الوحدات باختلاف القرى، ويشتهر الأثر الذي يعادل نصف ساعة مع وجود وحدات أقل كالقياس (١٢ قياس لكل أثر)، مشيرا إلى كتاب بيان الشرع الذي كتبه العالم محمد بن إبراهيم الكندي ويتألف من 71 مجلد ونشرته وزارة التراث والثقافة عام 1994م ويحتوي هذا الكتاب على مجلدين خصصها المؤلف للأفلاج العمانية إضافة إلى تناثر المعلومات حول المياه في أجزاء أخرى ، وكتاب فلج سيق بالجبل الأخضر.

وفي ختام محاضرته أوصى الدكتور عبدالله الغافري بضرورة تهيئة الأفلاج للمستقبل مع الحفاظ على هويتها وخصوصيتها البيئية والثقافية من خلال طرح عدد من المقترحات أهمها: وجود مركز خاص بالأفلاج العمانية لدى الحكومة لعمل الدراسات ورصد الأنظمة وتقديم الدعم عند الصيانة للمحافظة على هذا الإرث البشري للأفلاج العمانية مؤكدا على ضرورة استدامة الأفلاج من خلال تشجيع الشباب على تعلم أنظمتها والاستثمار فيها كنظام شركة مساهمة عامة حيث إن أقرب قانون لإدارة الفلج هو قانون الجمعيات الأهلية لكنه لا يسمح بالربحية مما يجعله غير مشجع على الاستثمار.

مداخلات واستفسارات
بعد ذلك تم فتح المجال أمام الحضور لمناقشة وطرح مداخلاتهم واستفساراتهم حول ما جاء المحاضرة عن الأفلاج والحضارة العمانية والذي غلب عليها طابع التخصصية من المهتمين والباحثين في هذا المجال حيث اتفقت آراءهم مع المقترحات التي طرحها المحاضر والتي أكدت على أهمية المحافظة على الإرث الحضاري والتاريخي للأفلاج العمانية.