[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/adelsaad.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عادل سعد[/author]

إذا عرفنا أن في موسكو طباخين سياسيين ماهرين لهم الخبرة في إعداد المواقف على نار هادئة، وأخرى على نار حامية، وأنهم يجيدون التحسس السريع من أي (غبار) يمكن أن يلتصق على الجدار الخارجي لزجاج الكرملن، أقول إذا عرفنا ما يتمتع به الروس في هذا الشأن، فإن من السهل أن نعرف بأن الرئيس الروسي بوتين كان وراء تأسيس صندوق للتنمية خاص بدول البريكس لكي تكون هناك مؤسسة قادرة على الإقراض، وأيضًا قادرة على أن تطرح احتياطيًّا نقديًّا يتولى مهمة مقارعة أية تحديات يمكن أن تمس الروبل الروسي أو العملات الأخرى ضمن هذه المجموعة الدولية الجديدة، بل لنا أيضًا أن نضيف أن نسخة الصفقة التي عقدها الرئيس بوتين مع الرئيس الصيني (شي جين بينج) وتضمنت مشروع شراء الغاز الروسي لمدة عشرين سنة وبواقع 400 مليار دولار قد خرج فعلًا من إكمام المعطف السياسي والاقتصادي الروسي، وأن تجاوب الصين مع هذا المشروع جاء من منطلق حسابات بكين في حسم نسبة فائدة خاصة لها في إطار مناورة طويلة الأمد بالذخيرة المالية الحية ليس إلا.
وعودة على مشروع الصندوق المالي لدول البريكس خلال مؤتمرها الأخير في البرازيل يتضح بما لا يقبل الشك أنه حمل عددًا من الأهداف المتكاملة أولها إحداث موازنة في التوجهات المالية الدولية بما يحد من سطوة صندوق النقد الدولي ويتيح المجال لإحداث استقطاب جديد داخل المجموعة الدولية في المفاضلة بين هذا القرض أو ذاك أمام الساعين للحصول على قروض معينة، كما أن من شأن الصندوق المالي لدول البريكس أن يعيد التصنيف الائتماني بما يبعد هذه الدول ودولا أخرى صديقة لها من الوقوع تحت سطوة هذا التصنيف وما يجر من إضعاف للعملات وهبوط وارتفاع في أسواقها.
ومن الأهداف الأخرى لصندوق دول البريكس التحلي بالقدرة على قطع الطريق أمام أية عقوبات اقتصادية يمكن التهديد بها لأسباب سياسية أو أمنية بعضها عابر للقارات وبعضها في حالات محلية مثلما حصل ويحصل في تداعيات الأزمة الأوكرانية.
لقد حكم الاستقطاب المالي الأميركي والأوروبي عمومًا الساحة الدولية عشرات السنين وظلت الحالة على ما هي عليه في هذا التحكم إلى أن استطاعت الصين من إحداث ثقوب في هذا الجدار المالي من خلال الاحتياطي النقدي الذي جمعته، ولأنها أيضًا لا تشكو من أي عجز حتى بقيمة يوان واحد من العملة الصينية، وهذا ما يجعلها شريكًا قويًّا في دعم هذا الصندوق إلى جانب الهند وجنوب إفريقيا والبرازيل، الأمر الذي يتيح للروس دعم عملتهم الروبل على مواجهة الضربات التي يمكن أن تتسبب بها العقوبات قياسًا بما اتخذ حتى الآن من هذه العقوبات بالورقتين الدولار واليورو، ومع نضوج فكرة هذا الصندوق ووجود آلية تنفيذية على أرض الواقع ستكون هناك الكثير من التجاذبات في الاقتراب منه أو البقاء ضمن منظومة المصالح التي درج عليها صندوق النقد الدولي الذي تتحكم به واشنطن حتى الآن على الرغم من رئاسته الفرنسية الحالية، وفي سياق تلك التجاذبات فإن من المحتمل أن تشهد الكثير من العملات الوطنية فرصًا لها في الخلاص من تأثير هذه العملة أو تلك ذات البعد الدولي، واللبيب هنا من دول العالم من يقتنص الفرصة في تقوية وجوده ضمن إطار المنافسة المتوقعة التي من المنتظر أن يتسبب بها المشروع المالي لدول البريكس.
وبالخلاصة بعيدة الأمد للصندوق المالي لدول البريكس، ستجد الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي واليابان وما يعرف بالنمور الآسيوية بل وكندا أن لا مناص لها من التعامل القائم على المصالح مع مجموعة دول البريكس بما يحرر العالم من سطوة القطب الواحد ماليًّا، وهكذا سنشهد حتمًا شعورًا إضافيًّا بالقوة لدى عملات الصين والهند وجنوب إفريقيا والبرازيل في دعم الروبل الروسي ومنعه من التراجع مهما طالت الأزمة الأوكرانية أو أزمات أخرى محتملة في الخصومة مع واشنطن ودول الاتحاد الأوروبي.