[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60"width="60"]خميس التوبي[/author]
على الرغم من المداعبة غير المألوفة في العرف السياسي والدبلوماسي ـ مهما كانت درجة القرب وقوة العلاقة بين الولايات المتحدة وفرنسا ـ والتي قام بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجاه نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، فإن من تابع المؤتمر الصحفي للرئيسين الأميركي والفرنسي والذي أعلن فيه ترامب وبمشاركة نظيره الفرنسي استعداده لعملية حلب جديدة من الأموال العربية وهو يردد ذلك بطريقة مستفزة، لا يسعه إلا أن يدرك حجم الخطأ الكارثي الجسيم الذي ارتكبته الدول المستهدفة بعملية الحلب، منذ حرب الخليج الثانية وإلى تفجير "الحريق العربي" وحتى يومنا وغدنا وربما بعده، والمتمثل في فتح خزائن أموال شعوبها لتمويل مغامرات الكاوبوي وحماقاته، ومشاريعه الاستعمارية الإمبريالية ولتمويل "الحريق العربي" ونشر حرائقه في جهات الأرض الأربع بالمنطقة بالنيابة والأصالة عن كيان الاحتلال الإسرائيلي.
من المؤكد أن من يجد ذاته اليوم أمام عملية ابتزاز مالي غير مسبوقة في التاريخ، سيلعن اليوم الذي اتخذ فيه قرار الوكالة والنيابة والأصالة بتاراتها الثلاث ليقود رحلة طويلة من العذابات والمآسي والكوارث ضد أبناء الأمتين العربية والإسلامية، ورحلة التدمير والتخريب والعبث، وينخرط في لعبة إسقاط الأنظمة والحكومات، هذا إذا كان هناك شيء من المراجعة العقلانية والمنطقية والأخلاقية، وشيء من النضج الفكري والسياسي. كما لا بد له أن يصل إلى قناعة مؤكدة لا تقبل القسمة على اثنين وهي أن لا حليف ولا صديق للكاوبوي سوى الصهيونية ممثلة برأس حربتها المسماة "إسرائيل"، وما عداها بالنسبة له ليس سوى أدوات خادمة لمشاريعه الاستعمارية والأطماع والفوضى والإرهاب والفتن الطائفية.
طبعًا، أنا هنا لا أخص طرفًا عربيًّا بعينه، فواقع الأحداث وكوارث الشعوب بالمنطقة قد تكفلت بتحديد الأطراف، اسمًا ورسمًا وختمًا، إلا أن السير وراء الرغبات السياسية والاستعمارية للإمبريالية الأميركية لتدمير ما تبقى من أرض وثروة وكيانات وأخلاقيات وقيم ومبادئ تحت عناوين خادعة كـ "محاربة التشيع" و"منع التمدد الشيعي" في المنطقة، والاستبدال بالعدو الإسرائيلي عدوًّا آخر لا يحقق إنجازًا تحت هذه العناوين، والمؤسف أن هناك سوادًا من الناس ممن انطلت عليهم هذه الخديعة، وباتوا مؤيدين لعمليات الابتزاز والسلب، على أن عملية الحلب والابتزاز التي يقوم بها دونالد ترامب تتجاوز الصناديق السيادية، فهذا أمر بدا واثقًا منه ترامب حين كرر أكثر من مرة في المؤتمر الصحفي "سيدفعون لكن سيدفعون"، حيث يسعى إلى استكمال الإجهاز على المنطقة بضرب دولها بعضها بعضًا، واحتدام الفوضى، للتغلب على العجز الأميركي في مواجهة الصمود الأسطوري السوري وحلفاء سوريا، وذلك بمطالبة الدول العربية بإرسال قواتها إلى سوريا لتغطية انسحاب قوات الاحتلال الأميركي؛ أي إبدال قوات احتلال عربية بقوات الاحتلال الأميركي التي ستنسحب، فيكتفي الكاوبوي ومعه الصهيوني والتوابع الأوروبيون بالدعم من الخارج؛ أي أن المسعى الأميركي ـ الصهيوني الخطير يريد أن يقيم على أرض سوريا المعركة الكبرى الفاصلة مع من يصفهم الصهاينة والأميركان بالخصوم والأعداء، يكون وقودَها المال والدم العربيان، وهي معركة لن يكون فيها رابح إلا مدبروها، ولن يكون الخاسر فيها إلا العرب، فالعالم يتغير وتتغير معه موازينه وأقطابه؛ لذلك منطق العقل والحكمة مطلوب بقوة لتقويم السياسات العربية التي تدمر المنطقة.
وعودًا على بدء، فإن ما أبداه ترامب تجاه ماكرون من مداعبات أشبه بمداعبات السرير، تفوق تصورات الفرنسيين وخيالاتهم وتاريخ فرنسا الاستعماري، وتتخطى الحدود المتعارف عليها في الأعراف الدبلوماسية والسياسية، رغم حالة الشبق التي وصلوا إليها بإمكانية استعادة مجد ماضيهم الاستعماري الذي عفا عليه الزمن وتمضمض وبصق، على أكتاف الحلَّاب الأميركي، من البوابة السورية بالإعلان عن إرسال باريس قوات خاصة لخدمة وحماية الجنود الأميركيين في مناطق النفوذ الأميركي ـ الكردي، والذي جاء على لسان جيمس ماتيس وزير الدفاع الأميركي، ونسي الفرنسيون أن بلادهم بهذه الإرسالية لن تكون قادرة على سد ما عجزت عنه القوة العظمى التي تواصل استدرار باقي الأضرع لتأخير زوال احتلالها الأراضي السورية، وأن الانحناء أمام الرغبات الأميركية مكلف جدًّا، وسيكلفها انحناؤها مزيدًا من الانحسار السياسي والعسكري في المنطقة والعالم، فجميع المؤشرات تؤكد أن العالم ذاهب إلى تغيير جذري، حيث لا إمكانية لعودة الشكل الاستعماري القديم بوجهيه القبيحين (البريطاني والفرنسي) تحديدًا، وقواعد الاشتباك هي الأخرى قد تبدلت وأخذت تمزج بين الذكاء السياسي والذكاء العسكري في صنع الحدث والانتصار، ولعل الملف الكوري الشمالي والملف النووي الإيراني، والصمود السوري، وتوازن الرعب بين المقاومة اللبنانية وكيان الاحتلال الإسرائيلي خير دليل ومُعبِّر، بل هي الملفات أو المرتكزات التي يتحرك بها العالم نحو التغييرالجذري.