لا يختلف اثنان ـ على امتداد خارطة العالمين العربي والإسلامي ـ على أن القضية الفلسطينية هي أُمُّ القضايا ومحور أي صراع في منطقة الشرق الأوسط، وأن أي حل يفضي إلى سلام شامل دائم بين العرب والإسرائيليين، هو مفتاح استقرار الأوضاع بالمنطقة، وتوفير الأمن لشعوبها، وتوجيه مواردها نحو إحداث تنمية شاملة مستدامة تحقق الرخاء للجميع. إلا أن مسار الأحداث لا يشي بتغير نحو تلك النظرة، بل إن هناك إصرارًا واضحًا من قبل كيان الاحتلال الإسرائيلي وحلفائه الاستراتيجيين على تأزيم الأوضاع وتحويل المنطقة إلى كتل من نار تحرق الأخضر واليابس، توهمًا منهم أن إشعال المنطقة بحرائق الفتن الطائفية والمذهبية والسياسية سيعمل على تحقيق الأحلام التلمودية التي يسعى الصهاينة إليها منذ ما يزيد على ستة عقود على اغتصابهم أرض فلسطين، بقيام المستعمرة الإسرائيلية الكبرى من النيل إلى الفرات، تكون القدس العاصمة الأبدية لها، وما جاورها من كيانات طائفية متناحرة تدين بالولاء لهذه المستعمرة، وتكون في حاجة دائمة إليها.
ما من شك أن هذه الأحلام، وهذا التقدير الانتحاري لدى قادة الكيان الصهيوني وحلفائه الاستراتيجيين وداعميه، هي مجرد أوهام وخيالات لا أساس لها من الواقعية ولا المنطق بشيء، وبالتالي فإن إحداث المجازر والمذابح بحق المدنيين الفلسطينيين والعرب العزل، وشن عدوان إرهابي بصورة متتالية أو متفاوتة، سواء على الفلسطينيين أو الدول العربية، لن يحقق استقرارًا ولن يكتب سلامًا لا لكيان الاحتلال الإسرائيلي ولا لداعميه ومؤيديه الذين يعطونه في كل عدوان إرهابي يشنه أو عند كل مجزرة يرتكبها صك تأييد مفتوحًا ممهورًا بـ"حق الدفاع عن النفس"، وطالما استمرت هذه السياسة الاحتلالية الهمجية العدوانية الإرهابية العنصرية الإقصائية والمبيدة، فإن من الطبيعي أن تخرج من رحمها مقاومات ونضالات متعددة الأشكال والأساليب لدفع العدوان والإرهاب والاحتلال واستعادة الحقوق المغتصبة.
ومن الطبيعي والمؤكد أن هذه السياسة الخارجة عن القانون الدولي والشرائع السماوية هي سياسة مرفوضة رفضًا باتًّا من قبل الشرفاء والغيورين على استقرار الشعوب والدول وأمنها وسيادتها ووحدة ترابها وسلامة حقوقها ومقدراتها، وهي سياسة مدانة بأشد العبارات ودون تحفظ. وبالتالي من المنطق واللازم أن تدين السلطنة في بيانها أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة السياسة الإسرائيلية القائمة على جرائم الحرب والانتهاكات الإنسانية بحق المدنيين الفلسطينيين العزل. حيث أكدت السلطنة في بيانها الذي ألقاه سعادة السفير عبدالله بن ناصر الرحبي على مدى ما وصلت إليه القيم الإنسانية من انحدار أخلاقي لا يقيم للإنسانية وزنًا، ولا يولي أدنى احترام لحقوقها، في وقت تبدو فيه الحاجة ماسة إلى سلام عادل ودائم يحقق الاستقرار للبشرية جمعاء، مشددة على إعلاء صوت العقل من أجل إدانة كل أنواع العنف ضد البشرية "وليس أقسى من ذلك في دليل صارخ للممارسات التي تقوم بها الدولة القائمة بالاحتلال في الأراضي الفلسطينية التي شملت كل مفردات الحياة والعنف الذي وصل تصاعده إلى أن يحرق طفل على قيد الحياة، وتصاعد وتيرة العنف إلى الترويع بمجازر بشعة تعرض لها المدنيون من أطفال وشيوخ ونساء ومعاقين كالتي حدثت في حي الشجاعية والأطفال الذي يمارسون براءة طفولتهم على الشاطئ وغيرها من أساليب الترويع التي تنتهك حقوق الإنسان".. مخاطبة "السلطنة" ضمير مجلس حقوق الإنسان بأن يأخذ على عاتقه تعزيز الاحترام العالمي لحماية جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية ومعالجة حالات الانتهاكات بما فيها الانتهاكات الجسيمة والمنهجية، في ظل صمت عالمي وعجز للأمم المتحدة عن اتخاذ أي تدابير لضمان الاستقرار والسلم، مؤكدة انضمام وفد السلطنة إلى بيانات مجموعة الانتماء ذات الصلة وأنه يدين بشدة تلك الجرائم التي ارتكبت من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، داعية إلى وقف فوري لآلة الحرب الإسرائيلية وإرسال بعثة تحقيق دولية مستقلة.