قصور في الخطابات التربوية والإعلامية والثقافية وتباهٍ في الأمنية والدينية
"مبالغات" في المواجهات أمنياً وإعلامياً.. و"التواري" اجتماعياً واقتصاديا وتعليمياً وسياسياً
[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/uploads/2016/04/ayman-hussien.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أيمن حسين
مراسل الوطن[/author]
مقدمة:
يعيش العالم كله في قلق كبير يصدر عن الخوف من انتشار الميول المتطرفة واتساع نطاقها وتحولها في بعض الأحيان إلى أشكال من الوصاية على الشعوب أو إلى صور من العنف القاتل المتمثل في الإرهاب الذي يهدف إلى تقويض أركان الدول، ويحول بعض المجتمعات إلى مجتمعات تودع الاستقرار والسلم الأهلي وتدخل في متاهات من العنف والفوضى. ويعتبر هذا القلق مبرراً في ضوء الآثار المدمرة التي تترتب على مثل هذه الميول المتطرفة، ويؤشر هذا القلق على تنامي الوعي بأهمية مواجهة التطرف على اعتبار أن الميول المتطرفة تشكل القاعدة العريضة التي تنبثق منها ممارسات الوصاية السياسية والدينية وممارسات الإرهاب بكل ما يترتب عليها من ضرر.

// معاني التطرف:
إن التطرف بالمعنى العام يوجد لدى قطاعات عريضة من السكان لظروف لا تتعلق بهم بقدر ما تتعلق بما أحاط بهم من حرمان من فرص الحياة بدءًا من الفرص المتعلقة بالحاجات الأساسية وانتهاءً بالفرص المتعلقة بالحصول على التعليم الجيد والفنون الراقية. والتطرف يتعارض مع الاعتدال في وجهة التفكير والنظر والاختيار والاعتدال في الفعل الذي يجعل الشخص قادراً على التفاعل الخلاق مع الآخرين بدلاً من الابتعاد عنهم ورفضهم وعدم قبولهم وعلى التفاعل الخلاق مع مجتمعه عبر المشاركة والعمل والإنجاز بدلاً من الانسحاب والاعتماد على الغير.
وإذا فهم التطرف بهذا المعنى واعتباره بيئة خصبة للإرهاب فسوف تكون نقطة الانطلاق في مكافحته أو مواجهته وحرمان الإرهاب من بيئته هي العمل على بناء العقل والنفس معًا بحيث يبتعدان عن هذا الميل نحو الذهول عن حالة الوسط التي هي الحالة العادية أو الطبيعية التي تعكس الفطرة. وإذا كان الأمر يتعلق ببناء العقل وبناء النفس فإنه لا يصبح متعلقاً بالانتماء وإنما يصبح متعلقاً ببناء أسلوب التفكير من ناحية وبناء النفس النقية الرائقة من ناحية أخرى. إن الأمر يتعلق هنا ببناء العقل أو ببناء الفكر القادر على أن يجرد الأفكار فيكون عقلاً خالصاً وأن يبنى التفكير المهني السليم فيكون عقلاً عملياً كما ينصرف إلى بناء النفس القادرة على أن تتذوق الجمال فتميل إلى الأحكام الصائبة.
إن العقل الناقد الخلاق والنفس الصافية ذات القدرة العالية على تكوين الحس الجمالي لا يتسرب إليهما الميل والهوى ولا يتسرب إليهما أي شكل من أشكال التطرف الهادم. ولا نتوقع أن يبنى هذا العقل ولا هذه النفس بالأعمال المهرجانية أو بالأنشطة السريعة التي تستهدف الوعظ ولكن نتوقع لهما بناءً صلباً راسخاً يتم عبر جهود كبيرة ودأب أكبر في مجالات ثلاثة: التنمية الاقتصادية التي تؤسس لاستقرار الوجود والتعليم الذي يستهدف بناء العقل الناقد الخلاق وأساليب الغرس الثقافي التي ترقى بالنفس إلى مراتب عليا من تذوق الجمال.

// خطاب المواجهة:
على خلفية هذا القلق وذلك الوعي يتطور الخطاب المرتبط بمواجهة التطرف ويتضاعف ويتكاتف في صور عديدة منها الخطاب الأمني وهو الأكثر حدة ويركز على المواجهات والعمليات الأمنية والإجراءات الاحترازية واجهاض الهجمات المتوقعة، والخطاب التربوي الذي يركز على إعادة النظر في التعليم ومضمون المناهج ومستوى المدرسين، ثم الخطاب الديني الذي يؤكد على إعادة توجيه الخطابة المنبرية والمتلفزة إلى آفاق مختلفة وسطية معتدلة تركز على مشكلات الناس وهمومهم، والخطاب الإعلامي الذي يضع الكرة في ملعب الإعلام ويعتبر أن بث رسائل إعلامية بعينها وضبط الرقابة على أدوات التواصل الاجتماعي كفيل بأن يقلل من الميول المتطرفة، ويأتي أخيراً الخطاب الثقافي الذي يدعو إلى بناء خطاب ثقافي جديد ويدعو إلى الاهتمام بالصناعات الثقافية والإنتاج الثقافي.
وهناك ميل داخل هذه الخطابات إلى التباهي بالذات والمبالغة في أهمية كل خطاب على حساب الخطابات الأخرى، ومن جوانب القصور الملحوظة في خطاب مكافحة التطرف عبر هذه الرؤى المختلفة أنه يضع التطرف في مقابل حالة اللاانتماء أو حالة تفكك منظومة القيم والمعايير.يبدو ذلك جلياً في الآليات التي يتم طرحها عبر هذه الخطابات وهى آليات تميل كثيراً إلى التركيز على رفع مستوى الوعي عبر الوعظ أو الندوات ورفع مستوى الانتماء عبر أنشطة من قبيل ترديد الأناشيد أو عقد المؤتمرات أو المهرجانات أو غير ذلك من الآليات التي تحاط بكثير من الاحتفالية التي لا تنتج في النهاية إلا مزيداً من إعادة إنتاج الأوضاع والمكانات ورموز الهيبة والسلطة لمن يشرفون عليها.
إن مثل هذه الأنشطة وغيرها تقدم على فرضية غريبة مفادها أن غرس مزيد من الانتماء وربما مزيد من الوعي في عقول الأفراد يؤدي بالضرورة إلى القضاء على التطرف، ولا يوجد لدينا ما يبرر صدق هذه الفرضية ولا يوجد لدينا أيضاً ما يؤكد أن هذه الممارسات تغير من مشاعر الانتماء أو عمق الوعي. وفضلاً عن ذلك فإن العقل لا يقبل نظرياً أو منطقياً أن يوضع التطرف في مقابل نقص الانتماء أو فقدان القيم والمعايير. ربما ينطبق هذا على الإرهاب باعتباره انحرافاً وهدماً وابتعاداً كبيراً عن دائرة الانتماء والمعايير الصحيحة. ولكنه لا ينطبق على حالة التطرف بوصفها ميلاً للعقل أو النفس نحو البعد عن مركز الوسط في التفكير والذهاب تجاه الحدود المتطرفة منه.

// صور إحباط التطرف والإرهاب:
المواجهة الدينية: كما أسلفنا فإن الفكر المتطرف يعتبر بيئة خصبة للارهاب ولذلك فان التصدي للتطرف ومسسباته يعد وسيلة استباقية في القضاء على الإرهاب، ويتخذ الإرهابيون الدين ستارا لأعمالهم الإجرامية وهو ما يعنى أن هناك غيابا للمرجعيات الدينية عن التفسيرات الصحيحة للدين والقدرة على توصيلها للشباب، مما يستوجب ضرورة تجديد الخطاب الديني وشرح مفاهيمه الصحيحة بما يتفق وصحيح الدين وهو مما يتطلب تنشيط دور أماكن العبادة وعلماء الدين في التنوير الصحيح ومواجهة الفكر المتطرف وهو المكون الأساسي لفعل الإرهاب.
المواجهة التشريعية: لاشك أن دور السلطة التشريعية مهم لمواجهة التطرف والارهاب وقد شهدت تشريعات مكافحة الإرهاب في الآونة الأخيرة تطورا ملحوظا في العديد من الدول العربية والغربية والأجنبية، ولكن يجب أن تعتمد السياسات الدولية في هذه التشريعات على مهمة مزدوجة تقوم على الردع والحسم مع التشجيع والمكافأة من جانب أخر.
المواجهة الإعلامية:الإعلام بجميع مؤسساته وأجهزته وأنواعه يجب أن يكون داعما في هذه المرحلة المهمة والحاسمة لمكافحة الإرهاب، ويجب على العرب أخذ العبرة من الدول الأوروبية فعندما تحدث جريمة إرهابية هناك نجد الدولة كلها بكل مؤسساتها وفي مقدمتها الإعلام يدعم جهاز الأمن وأجهزة المكافحة بغض النظر عن المعارضة السياسية أو اختلاف الرأي ويجب أن تشمل المواجهة الإعلامية عدة عناصر أساسية منها:
1- وجود سياسة إعلامية مستمرة لمواجهة التطرف والإرهاب بحيث لا يكون اهتمام وسائل الإعلام مجرد ردود أفعال وقتية لأحداث إرهابية متفرقة.
2- ايجاد نوع من التوازن بين درجة الاهتمام الاعلامي بالإرهاب وبين حجم مخاطره على المجتمع والعمل على تشجيع وتحفيز المواطنين والمجتمع المدني على المشاركة الفعالة في هذه المواجهة.
المواجهة السياسية: وتتمثل في إشراك الشباب في الحياة السياسية بصورة تضمن فعاليتهم مع استيعاب كل الفئات باختلاف توجهاتهم في إطار الشرعية السياسية والدستورية وتحفيز الأغلبية الصامتة في المجتمع على المشاركة في الحياة العامة وإقناعها بان لها مصالح أساسية في الاستقرار ومقاومة أعمال العنف والإرهاب وهو ما سوف يعود على المجتمعات بالتقدم واستقرار الأسعار وتوافر السلع وفرص العمل.
المواجهة الاجتماعية: وذلك عن طريق تنمية المناطق الفقيرة والمعزولة وربطها بالمدن الكبيرة ونقل التكنولوجيا والإمكانات إليها وإعادة تخطيط المناطق العشوائية ووضع خطة قومية جادة لمحو الأمية لرفع المستوى الثقافي ودرجة الوعي لدى بعض الفئات التي يمكن أن تستقطب في اتجاه التطرف والإرهاب مع رفع مستوى الخدمات والقضاء على الروتين وهو فعلا ما تقوم به الدول العربية والخليجية حالياً.
المواجهة الاقتصادية: وتأتي المواجهة الاقتصادية عن طريق خلق فرص العمل والقضاء على ظاهرة الباحثين عن عمل ورفع مستوى الخدمات ورفع مستوى المعيشة للمواطنين خاصة بسطاء وفقراء المجتمعات.
المواجهة التعليمية: يجب تغيير السياسة التعليمية العربية تغييرا جذريا بحيث يتم تغيير أسلوب التلقين المتبع في نظام التدريس فهذا الأسلوب هو المسئول عن تنشئة شباب يسهل اقتياده لأية أفكار سياسية أو دينية فأسلوب الحفظ يخلق عقليات لم تعتد التفكير المستقل كما يجب تطوير المناهج وذلك بوضع مناهج مفتوحة تمنح الطفل الفرصة لنمو معلوماته وتعوده على اتخاذ القرار الصحيح كما أن هناك نقطة أخرى في غاية الأهمية وهي الاهتمام بتطوير المعلم نفسه فلا يمكن خلق جيل سوي إلا من خلال معلم سوي متفهم للتغيير والتطوير الحادث في المجتمع.
المواجهة الأمنية: وهي أخطر المواجهات لأنه يدفع ثمنها أرواح زكية وشهداء أبرار من خيرة شباب الأمم الذين يضحون بحياتهم من أجل تحقيق الاستقرار والأمن لأوطانهم وهو ما يتطلب من الدول والمجتمعات المدنية تدعيم ومساندة الأجهزة الأمنية ماديا ومعنويا مع تقدير دورهم البطولي في حماية الوطن وتأمين المواطنين والشعوب من خفافيش الظلام.

// الخلاصة:
مكافحة الفكر المتطرف والقضاء على الإرهاب يستلزم تطبيق استراتيجيات عربية وعالمية شاملة تشمل تنظيم الإعلام ومراعاة معايير المهن التعليمية وتنظيم دور وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة كأحد أهم القنوات الإعلامية التي تخاطب جمهور الشباب وتنقية البرامج الإعلامية المختلفة من كل ما يشجّع على الفكر المتطرف.
هذا بجانب ضرورة غرس قيم الثقافة الأصيلة والنخوة والفنون في مكافحة التطرّف والإرهاب وأهمية بناء مفاهيم ثقافية جديدة تدعـو إلى السلام والتسامح ونبـذ العنف والتأكيد على الاهتمام بالموروث الثقافي والفني للمجتمعات العربية والحضارات كلها، وبخاصة الذي يدعّم فكرة الانتماء والوحدة الوطنية وتوظيف مجالات الفنون والثقافة المختلفة في المجتمع وتكريس جهودها لمكافحة الفكر المتطرّف والتأكيد على دورها كقوى ناعمة في إدارة التوجّه الثقافي مما يشكل درعاً فنياً وثقافيا في مكافحة التطرف.