لا ينكر أحد منا أن حياته بات معظمها يدور حول العالم الافتراضي، نحكي فيه عن جديدنا، تجاربنا، واللحظات التي نعيشها، نشاركها مع من نعرفهم وأحيانا مع آخرين لم نلتق بهم من قبل.
يضم هذا العالم عدة عوالم صغيرة بداخله منها ألعاب الواقع الإفتراضي"الرقمية"، التي أصبحت منتشرة وشائعة خاصة لدى أوساط الشباب المراهقين والبالغين منهم، الذين يتعايشون داخله تماما.
تعتمد تلك الألعاب "Virtual reality games" وإختصارها "Vrhg" على محاكاة الأجهزة الالكترونية للواقع في عوالم خيالية ـ كما تشرحها المواقع المختصة ـ، حيث تتيح للأشخاص أو اللاعبين عيش تجربة وكانها حقيقية من خلال بيئة ثلاثية الأبعاد، تتفاعل معها ومع جميع من حولك من أشخاص اخرى من كل أنحاء العالم. كما أن بعضها يتيح احيانا خاصية اللمس والصوت.
اهتمام هوليوود بالتكنولوجيا ليس بجديد، فهي التي يعرف عنها الجميع أنها عالم الترفيه والمتعة، ومع تقدم تقنية الواقع الافتراضي بعد مرورها بعدة محاولات عانت خلالها من مشاكل مختلفة، نجد أن عاصمة السينما خصصت جزءا من هذا الترفيه لمعالجة هذا المجال الذي عاد بقوة للواجهة بعد اختراع ماتعرف بـ "خوذة الواقع الافتراضي" أو" Oculus Rift". فمعها ستحقق كل مايجول بخاطرك من خيالات وأحلام لن تجدها الا في هذا العالم.
استعد أيها اللاعب الأول (Ready Player One) : فيلم خيال علمي ومغامرات أميركي، يدمج العالم الافتراضي وألعاب الفيديو، بعالمنا الواقعي. كتبه الروائي والكاتب إيرنست كلاين وهو مؤلف الرواية الناجحة التي تحمل نفس الاسم، واقتبست منها أحداث العمل. ويشاركه في وضع السيناريو والحوار الكاتب زاك بن.
الفيلم من إخراج إيقونة هوليوود الاولى ستيفن سبيلبرج، الفريد من نوعه في عالم الخيال العلمي والعوالم الاخرى .. أذكر ما أحببت منها، والحائز على جائزة الأوسكار 3 مرات.
يعود بنا سبيلبرج بأسلوبه الإخراجي الذي لا يستطيع أحد من زملائه مع كل الاحترام والتقدير لهم جميعا، محاكاته مثله، فهو المتخصص في إكساب مشاهد الحركة تفاصيل أكثر وإعطائها أكبر قدر من الحيوية دون أن تفقد معناها، يعود بنا من حقبتي الستينات والسبعينات وتفاصيلها المرهقة من فضائح للدول الاستعمارية وحروب هيمنتها الخاسرة وغيرها .. في "ذا بوست"، ليقفز الى عام 2045 ، وأجواء من سينما الخيال العلمي التي تركها سبيلبرج منذ نحو 13 عام في فيلم " War of the Worlds" لتوم كروز.
بمعاونة كل من مصمم الديكورات آدم شتوكهاوزن، ومدير تصوير العمل يانوش كامينسكي، ينسج سبيلبرج لوحة خلابة من المؤثرات البصرية البديعة، عالم افتراضي متكامل يدعى "الواحة"، حشد فيه أكثر من 45 شخصية أيقونية في تاريخ السينما، من بينها " Chestburster" وهو كائن فضائي من سلسلة افلام " Alien"، " King Kong" الغوريلا الغني عن التعريف، الديناصور " T-Rex" الذي ظهر في سلسلة افلام " Jurassic park"، والسيارة المعروفة بإسم " The DeLorean" من فيلم " Back To The Future"، المعلم العجوز الحكيم جاندالف من سلسلة " The Lord of the Rings" وغيرها .. من أيقونات السينما التي أوقعت المتفرجين في حالة من "نوستالجيا الثمانينات والتسعينات"، لم يكتف بذلك، بل طعم العمل أيضا بمقاطع غنائية ولقطات فيلمية من الزمن الجميل، كأغنية " Stayin' Alive" لفريق Bee Gees، و فيلم "Shining". وهي جزئية سبيلبرج الخاصة الذي يعرف التلاعب بها جيدا بما يناسب أحداث العمل.
أبطال العمل الممثل تاي شيريدان الذي يجسد الفتى بطل اللعبة "ويد واتس" وآفاتاره "بارزيفال"، وصديقته "سامانثا" بآفاتارها "أرتيمس" وتقوم بدورها الممثلة أوليفيا كوك، بينما يقوم بدور المبتكر العبقري للواحة " جيمس هاليداي"، الفنان الانجليزي مارك رايلانس، وصديقه وشريكه الذي أبعده فيما بعد عن المشروع "أوجدين مورو" الممثل سايمون بيج، فيما يؤدي الممثل بن مندلسون دور" نولان سورينتو" رئيس شركة آي أو آي التي تعمل في مجال التكنولوجيا، والذي يسعى للهيمنة على الواحة واستغلالها تجاريا.

...................................
صورة قاتمة
تبدأ أحداث العمل من ولاية أوهايو الاميركية، حيث يصور سبيلبرج تلك الصورة القاتمة للمستقبل القريب عام 2045، حيث الفقر والفساد والمرض الذي سيصيب البشر، ويجعلهم يعيشون في عشوائيات متكدسين داخل منازل متنقلة "كرفانات" وقطع الشاحنات الفارغة وغيرها..
يلجأ البشر للتخلص من تلك الحياة المزرية والواقع البائس الذي يحل بهم، الى أجهزة الواقع الافتراضي "خوذ Oculus Rift" التي تحدثنا عنها مسبقا، وبها يتمكنون من دخول عالم "الواحة" أو " Oasis"، الافتراضي الذي صنعه المبرمج العبقري هاليداي بمعاونة صديقه مورو، ليختار كل منهم شخصية رقمية "آفاتار" أو" Avatar" ويبدأ بفعل مايحلو له. من بينهم بطل العمل ويد، الفتى اليتيم الذي يعيش مع عمته ورفيقها الأحمق كما يصفه، وذلك في أحد الاحياء الفقيرة بالولاية.
يموت هاليداي ، ويترك رسالة تسجيلية لمرتادي الواحة، يخبرهم فيها أنه قبل موته صنع لعبة "بيضة عيد الفصح"، من يتمكن من حل جميع ألغازها والحصول على تلك البيضة، سيرث كل ممتلكاته ويتحكم بها، ومن بينها عالم الواحة.

...................................
منافسة
يصبح الحصول على الكنز، الشغل الشاغل لجميع رواد الواحة الذين يبدأون بخوض منافسات اللعبة، من بينهم ويد الذي يسعى للتخلص من حياته البائسة بجانب فريقه المكون من 4 أعضاء، تأتي في مقدمتهم سامانثا التي يقع في حبها ويد، تلك الفتاة قد عانت من حياة صعبه مثله وتبحث عن الانتقام من الامبريالية المتمثلة في سورينتو وشركته. يضم الفريق أيضا هيلين الفتاة السمراء الضخمة التي تختار آيتش الميكانيكي الماهر كشخصية لها، توشيرو أو "نايترو" كما يعرف بالواحة، والطفل زوي الذي لم يبلغ الثانية عشرة من العمر وأفتاره "شو".
ينطلق الفريق في رحلة فك شفرات اللعبة "ثلاثة تحديات بثلاثة مفاتيح"، فيما ينافسهم بشراسة سورينتو ومعاونوه. سنجد أن مايحدث داخل اللعبة سيمثل عواقب حقيقية في العالم الخارجي. حيث سيسعى سورينتو لإيذاء ويد وأصدقائه في الخارج لكي يتمكن من الوصول الى "البيضة " قبلهم.
وبفضل حماسهم الشديد وتعاونهم معا، يتمكن فريق ويد من حل جميع الأحاجي التي تضمنت المرحلة الاخيرة منها لعبة داخل اللعبة ـ سنرى شخصيته الآفاتارية تحاول الفوز في لعبة أتاري قديمة ـ والجميع يراقبه بشغف، بعدها يحصل على الجائزة الذي يفضل اقتسامها مع فريقه، ليصبح الخمسة هم المتحكمون فعليا بالواحة.

جاهز أيها اللاعب الاول .. عمل بصري ضخم مفعم بالحيوية ، ستتفاعل معه منذ لحظاته الاولى، يطرح أسئلة وانتقادات حول أخلاقيات مجتمعنا وتعلقه بالتكنولوجيا على حساب حياته الحقيقية. يحتفي بجيل الثمانينات والتسعينات بمخرجيه وشخصياته التي لن ينساها التاريخ، وما يميز تلك الفترة من اعمال وأشياء اخرى.

رؤية : طارق علي سرحان
[email protected]