[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/fayzrasheed.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. فايز رشيد[/author]
” إن الولايات المتحدة أعلنت موقفها صراحة, بأن لا عودة للاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم وفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194, إضافة إلى أن الإدارة الأميركية تعتبر الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية "حقا مشروعا لإسرائيل على أرضها التاريخية". المقصود القول, أن الصيغة التي جاءت في بيان المجلس الوطني لا تنسجم وحقيقة سياسة العداء الرسمية الأميركية تجاه الشعب الفلسطيني وقضيته وحقوق شعبه الوطنية! ”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بصورة أولية, فإن قراءة البيان الختامي للدورة 23 للمجلس الوطني الفلسطيني تشي, بأن البيان جاء على شاكلة البيانات السابقة, باستثناء أنه يتطرق إلى قضايا مستجدة بصيغ فضفاضة كما سنبيّن لاحقاً, كما أنه تبنى في غالبيته خطاب الرئيس أبو مازن في الدورة الافتتاحية للجلسة, حول كافة القضايا المطروحة, وهي في صميمها توصيات (رغم أن معظمها جاء على شكل قرارات) فالمعني بالتنفيذ هو الرئيس عباس شخصياً, فمثلاً المجلس المركزي في دورتيه الأخيرتين أوصى بوقف التنسيق الأمتي مع دولة العدو الصهيوني, لكن هذه التوصية لم تتحول إلى قرار, ولم يجر تنفيذها حتى اللحظة, للعلم, التنسيق الأمني فُرض فرضاً على الفلسطينيين وفقا لاتفاقيات أوسلو, التي تناولها المجلس, للأسف جاء حولها في البيان وبالنص الآتي:" آخذاً بعين الاعتبار تنصل دولة الاحتلال من جميع التزاماتها بموجب الاتفاقات المبرمة, وإنهاءها لها بالممارسة والأمر الواقع, فان المجلس الوطني: يعلن أن الفترة الانتقالية التي نصت عليها الاتفاقيات الموقعة في أوسلو والقاهرة وواشنطن بما انطوت عليه من التزامات, لم تعد قائمة". حقيقة الأمر, أن شارون في عام 2004 ,عندما أعاد اجتياح الضفة الغربية, أعلن عن وفاة هذه الاتفاقيات, وأن كافة الحكومات الإسرائيلية لم تلتزم بها, وتفرض حقائقها وسياساتها واستيطانها, لذا كان على المجلس اتخاذ قرار بإلغاء هذه الاتفاقية إلغاءً تاماً بكل الصراحة والوضوح, وعلى ذلك قس.
بالنسبة لقرار ترامب حول القدس, فقد أدان المجلس الوطني الفلسطيني هذا القرار, وأوصى بالعمل على إسقاطه, لكن ما جاء في البيان الختامي لدورة المجلس الوطني الأخيرة, ونصّه كالآتي "اعتبر المجلس أن الإدارة الأميركية بهذا القرار قد فقدت أهليتها كوسيط وراع لعملية السلام, ولن تكون شريكا في هذه العملية إلا بعد إلغاء قرار الرئيس ترامب بشأن القدس". الصيغة تحمل في مضامينها ما معناه: أن الولايات المتحدة كانت وسيطا نزيها قبل قرار ترامب, وأنها من الممكن أن تعود عنه!. قراءة الواقع لا تشي بأيٍ من الاستنتاجين, فورقة الضمانات التي قدمتها الولايات المتحدة لإسرائيل في عام 2004(عهد الرئيس بوش الابن) تنص في بندها الثاني على: تتعهد الولايات المتحدة أن لا تجبر إسرائيل ولا أن تلزمها بتسوية لا تريدها, وتعتبرها الأخيرة ضارّة بأمنها"! . لعل إحدى حقائق العصر, أن الولايات المتحدة هي حليف استراتيجي مهم وكبير لاسرائيل, ورأس جسر سياساتها ومخططاتها في الشرق الأوسط والإقليم عموماً.
ثم, إن الولايات المتحدة أعلنت موقفها صراحة, بأن لا عودة للاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم وفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194, إضافة إلى أن الإدارة الأميركية تعتبر الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية "حقا مشروعا لإسرائيل على أرضها التاريخية". المقصود القول, أن الصيغة التي جاءت في بيان المجلس الوطني لا تنسجم وحقيقة سياسة العداء الرسمية الأميركية تجاه الشعب الفلسطيني وقضيته وحقوق شعبه الوطنية! كان بإمكان المجلس أن يعتبر المرجعية الأساسية لعملية التسوية, القرارات الدولية المتعلقة بالحقوق الفلسطينية.( نقول عن المرجعية وليس وفقا للقرارات". الصيغة على هذه الشاكلة تعيد إلى الأذهان ما سبق وأن قاله الرئيس السادات "بأن 99% من أوراق الحلّ بيد أميركا" ناسيا أو متناسيا قدرة الشعوب ونضالاتها من أجل إزالة الاحتلال لأراضيها.
أوصى المجلس بـ "التمسك بمبادرة السلام العربية والاحتفاظ بأولوياتها ورفض أية محاولات لتغييرها أو تحريفها" ناسيا أن شارون رفض هذه المبادرة, كذلك تسيبي ليفني عندما كانت وزيرة للخارجية في حكومة إيهود أولمرت, كذلك رفَضَها ويرفضها نتنياهو إن لم يجر تعديلها وفقا للإملاءات الإسرائيلية, هذا أولاً.ثانيا, لم يأخذ المجلس الوطني في بيانه الختامي الواقع العربي بعين الاعتبار, فهو واقع مؤلم,يتمثل في تطبيع البعض العربي لكل علاقاته مع إسرائيل حاليا, ولم تجر في بيان المجلس إدانة هذا التطبيع المجاني, ولا حتى مناشدة هذا البعض بوقف تطبيعه, رغم ما ورد فيه من دعوة للدول العربية بالصيغة التالية "المطالبة بتفعيل قرار القمة العربية التي عقدت في عمان عام 1980 الذي يلزم الدول العربية بقطع جميع علاقاتها الدبلوماسية مع أية دولة تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل وتنقل سفارتها إليها والذي أعيد تأكيده في عدد من القمم العربية, مع الطلب من الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي القيام بالمثل". حقيقة الأمر, أن هناك فجوة كبيرة بين هذه المناشدة والواقع الفعلي على الأرض.
أيضاً , جاء في بيان المجلس أنه "يثمن الإجماع الشامل الذي تبلور مؤخراً على انتهاج سبيل المقاومة الشعبية, مع التأكيد على أنها ليست بديلا عن سائر أشكال النضال التي يشرّعها القانون الدولي لشعب واقع تحت الاحتلال, ومع التأكيد على التمسك بحقنا في مقاومة الاحتلال بكل الوسائل وفقا للقانون الدولي, فقد أثبتت المقاومة الشعبية السلمية, التي يتبناها الشعب الفلسطيني منذ وقت طويل في كل انتفاضاته ومقاومته ضد الاحتلال والاستيطان الاستعماري, نجاعتها وفعاليتها واستقطابها للدعم الدولي". كاتب هذه السطور, ليس ضد المقاومة الشعبية, بل يعتبرها رديفا للشكل الأرقى للمقاومة, وهو الكفاح المسلّح, مع العلم, أن نهج السلطة الفلسطينية, في رؤيتها للصراع مع العدو الصهيوني, يتمثل في نهج المفاوضات, والمفاوضات فقط فـ "المفاوضات حياة" وفقا للأخ صائب عريقات, وأن الكفاح المسلح غير مطروح مطلقاً, مع أنه مشرّع بقرارين واضحين من الأمم المتحدة. أيضا, فإن السكون القيادي الذي يجري التجديد له في كلّ دورة, يتنافى وديناميكية التجديد, وروح العصر وأهمية ضخ قيادات شابة جديدة في النضال الوطني الفلسطيني.
على جانب آخر, مع أهمية دعوة المجلس إلى تجاوز الانقسام والتأكيد على الوحدة الوطنية والتمسك بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني, وإعادة صرف رواتب موظفي غزة, ورفض صفقة القرن, والتأكيد على الارتباط العضوي بين الضفة الغربية وغزة, وتوحيد المرجعيات في القدس, والتأكيد على عروبة القدس الشرقية, وعلى أنها تظل وستظل عاصمة الدولة الفلسطينية العتيدة, وكل المواقف من القضايا الأخرى, وترك 3 مقاعد في اللجنة التنفيذية لكل من الجبهة الشعبية وحركتي فتح وحماس, وكذلك مقاعد لهذه التنظيمات في المجلس المركزي, فإن غالبية أعضاء اللجنة التنفيذية والمجلس المركزي, جاءت من لون سياسي محدد, الأمر يكرّس الفئوية والتفرد, الذي حاربه ويحاربه شعبنا الفلسطيني. ثانيا, الأهم هو تجاوز الانقسام, من خلال الحوار والحوار والحوار الوطني, والاستفادة من دروس سلبية رافقت انعقاد هذه الدورة, من خلال الحرص على الاتفاق الفصائلي على موعد ومكان انعقاد دورة توحيدية قادمة وقريبة, كما جدول أعمالها, وبمشاركة الكل الفلسطيني لتكون دورة توحيدية بامتياز, يبقى الأساس, وضوح الصيغ وتنفيذ القرارات, فتشخيص المرض مهم, لكن الأكثر أهمية هو العلاج.