[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/alibadwan.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]علي بدوان[/author]
” .. رغم إعلان رئيس الحكومة "الإسرائيلية" بنيامين نتنياهو، عن دعمه الكامل للضربات الأميركية والفرنسية والبريطانية على مواقع عسكرية في سورية، واستهداف المنشآت العلمية، إلا أنَّ التقديرات والتحليلات في دولة الإحتلال أظّهَرَت تباينا من انعكاسات تلك الضربات الثلاثية وتأثيرها على المصالح "الإسرائيلية" في المنطقة، وعلى أبعادها السياسية، نظرا لما تم اعتبار ما جرى بـ "عمليات عسكرية محدودة". ”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مثلما توقعها العديد من المحللين السياسيين والمتابعين, جاءت العملية العسكرية الثلاثية الغربية على سوريا كضربة محدودة, لا تتناسب مع ما رافقها من جعجعةٍ كانت تشي بشنِ هجومٍ واسعٍ على هذا البلد العربي, لكن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لم يُقدِم على اقتراف خطيئة شنّ الحرب الشاملة, التي يُدرك تداعياتها ومخاطرها, ولا التحكم في مسارها ولا تحديد شكل نهايتها, وذلك لاعتباراتٍ كثيرة روسية, إيرانية, سورية, وتخوفا من انزلاقها إلى خاصرة حليفته "الإسرائيلية".
فالولايات المتحدة تراجعت عن تهديدها الكبير، وقصفت أهدافا محدودة اقتصرت على المواقع التي تعتبرها مصانع أسلحة كيماوية. فالعملية العسكرية الثلاثية على سوريا جاءت أشبه ما يكون بـ "الجبل الذي تمخض فوَلّد فأرا". وذلك من ناحية تأثيرها في ميزان القوى الداخلي أو من حيث تأثيرها في استمرار ما كان قبلها. أما من الناحية المعنوية بالنسبة إلى الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا فليقولوا في أهميتها ما يقولوا، لأن من غير المُمكن أن يُعلنوا بأنهم تراجعوا أمام روسيا أو بأنهم لم يحققوا شيئا لتغيير المعادلة الداخلية السورية، وإلا على الرئيس دونالد ترامب أن يتوقف عن "التغريد"، وعلى تيريزا ماي أن تستقيل، أو على مانويل ماكرون أن يُراجع حساباته.
لقد سقطت الولايات المتحدة وحلفاؤها في العملية العسكرية على دمشق، واستطاعت سوريا الصمود في تلك المعركة، بل وفي استخدام كل ما لديها في التصدي للصواريخ الذكية التي أطلقت على أراضيها بالرغم من التداعيات التي يعاني منها نظام الدفاع الجوي السوري نتيجة استهدافه من قبل المجموعات المسلحة واسرائيل طوال السنوات الماضية.
ومن المعروف أنَّ من يمتلك الجو يسيطر على المعركة مهما عظمت وهو ما افتقده الجيش السوري في السنوات السابقة نتيجة خروج عشرات منظومات وكتائب الدفاع الجوي عن الخدمة على امتداد الجغرافية السورية بعد تعرضها لهجماتٍ قوية في مسار الأحداث الداخلية في سوريا، ما أحدث فجوة وخللا كبيرا في المنظومة الدفاعية الجوية للجيش العربي السوري، وهو ما يُفسّر اختراق طيران دولة الاحتلال "الإسرائيلي" للأجواء السورية في السنوات السابق.
ومن الملاحظ أنه وبعد تَمَكُّن الجيش السوري من استعادة معظم الأراضي السورية، أعاد تفعيل الكتائب والمنظومات الدفاعية الجوية الخارجة عن الخدمة، واستعاد قطاع الدفاع الجوي عافيته من جديد مُقيِّدا الحركات الجوية للطائرات المعادية في الأجواء السورية، وقد جاء إسقاط طائرة الــ (اف 16) "الإسرائيلية" يوم العاشر من فبراير 2018 مؤشرا على ذلك، كما أكَّد عليه إسقاط الدفاعات الجوية السورية لفخر الصواريخ الأميركية المجنحة الذكية (التوماهوك) و(الستورم شادو) وغيرها من الصواريخ التي تم إطلاقها في العدوان الثلاثي على سوريا، وبحسب ما أكدت المصادر الرسمية العسكرية السورية والروسية تم إسقاط نحو 71 صاروخا من أصل 103 صواريخ موجهة من البوارج والطائرات الإستراتيجية، كما تم حرف مسار معظم الصواريخ التي تمكّنت من الإفلات من الدفاعات الجوية السورية وأطلقت الدفاعات الجوية السورية 110 صواريخ دفاع جوي من منظومات قديمة وحديثة، لتجعل صواريخ ترامب الجميلة والذكية كومة خردة فوق الأجواء وعلى الأرض السورية.
ورغم إعلان رئيس الحكومة "الإسرائيلية" بنيامين نتنياهو، عن دعمه الكامل للضربات الأميركية والفرنسية والبريطانية على مواقع عسكرية في سوريا، واستهداف المنشآت العلمية، إلا أنَّ التقديرات والتحليلات في دولة الاحتلال أظّهَرَت تباينا من انعكاسات تلك الضربات الثلاثية وتأثيرها على المصالح "الإسرائيلية" في المنطقة، وعلى أبعادها السياسية، نظرا لما تم اعتبار ما جرى بـ "عمليات عسكرية محدودة".
إذا، بالرغم من ارتياحها، ودعمها، وترحيبها، بما جرى بحق سوريا، إلاَّ أن دولة الاحتلال "الإسرائيلي" تخشى من ردود الفعل البعيدة بعد العدوان الثلاثي على سوريا، وخاصة مسألة تزويد روسيا لسوريا بمنظومات دفاع جوي جديدة، من شأنها تغيير وكبح "حرية" تصرف "الجيش الإسرائيلي" وسلاحه الجوي في أجواء سوريا والمنطقة. حيث يستطيع نظام الدفاع الجوّي الروسي (إس-300) المُزمع تسليمه لسوريا ضرب وإصابة 24 طائرةً معادية بما فيها طائرات الشبح التي تتميّز بالقدرة على التخفي عن الرادار، من على بعدٍ يصل إلى 400 كيلومتر في لحظةٍ واحدةٍ، أو إسقاط 16 صاروخًا بالستيًّا تُحلق بسرعة تصل إلى 4500 متر في الثانية (وفقًا لما نشرته وكالة سبوتنيك الروسية)، وبإمكان القوات العربية السورية حال تسلُّمها المنظومة الدفاعية الروسية مضاعفة قوتها، والحد من الإختراقات الجوية والغارات الغربية التي تستهدف سوريا. ووفقا لمصادر في دولة الاحتلال، يتوقع في المرحلة التالية أن يجد "الجيش الإسرائيلي" صعوبة في مواصلة العمل بحرية نسبية في أجواء سوريا ولبنان. وينبع هذا التخوف من احتمال أن تقوم موسكو، ردا على الهجوم، بتجهيز دمشق بصواريخ متطورة كما أسلفنا، تُهدد طائرات "سلاح الجو الإسرائيلي"، في سماء سوريا ولبنان أيضا.
وعليه، لعلّ من أهم التداعيات العملية العسكرية الثلاثية ضد سوريا, أنَّ الدول التي شنت العملية إياها بشكلٍ مُباشر، لم تستطع تحقيق أهدافها التي كانت قد أعلنت عنها، وخاصة منها إضعاف الدولة السورية والجيش العربي السوري وشل قدراته, حيث كان الإمتعاض "الإسرائيلي" من النتائج واضحا, فقد تصوّرت "إسرائيل" أن العدوان سيدمر سوريا لينزاح الجيش العربي السوري من أمامها.
إنَّ نتائج العملية العسكرية الثلاثية، كَشَفَت العديد من النقاط والمسائل الحيوية، وأبرزها : أولاً الصمود السوري، العسكري والسياسي الشعبي، ومقارعة الولايات المتحدة سياسيا ودبلوماسيا، والتصدي لها ولحلفائها في جلسات مجلس الأمن الدولي، من موقع الند للند، ودون مهادنة أو هوادة. ثانيا دعم الحلفاء لسوريا في المجالات المُختلفة. ثالثا اكتشفت "إسرائيل" أنَّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب ليس الحصان الذي تُراهن عليه عند التهديد الوجودي، فالأميركان ليسوا مُستعدين لأن يخوضوا حروبا عالمية من أجلِ "إسرائيل" على طول الخط.