[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
في الوقت الذي تتوارد فيه الأنباء عن تجميد الولايات المتحدة تمويل مجموعة ما يسمى "الخوذ البيضاء" التابعة لما يسمى "جبهة النصرة" الإرهابي في سوريا، توالي الأدوات الكردية تقديم خدماتها لسيدها الصهيو ـ أميركي بالسير في مشروعها الانفصالي عبر التجنيد الإجباري للمكون العربي في المناطق الخاضعة لسيطرة هذه الأدوات الانفصالية.
ظاهر التطورين الآنفين يبدو أنهما نقيضان في سياق المخطط العبثي التآمري الصهيو ـ أميركي ضد سوريا، ولكنهما في المضمون وجهان لعملة واحدة، فعند وضع كل حدث في سياقه يتبين أن تجميد تمويل "الخوذ البيضاء" لا يعني أن واشنطن بدأت تعيد حساباتها وتكفِّر عن خطئها الكارثي والجسيم المتمثل في تمويل الإرهاب ودعم تنظيماته وفي مقدمتها "داعش والنصرة"، لكون أن ما يسمى مجموعة "الخوذ البيضاء" تابعة لتنظيم النصرة الإرهابي، ولكن في تقديري عند الوقوف على ما ساقته الخارجية الأميركية من تبرير لهذه الخطوة وهو "أنها وضعت تمويل مجموعة "الخوذالبيضاء" تحت المراجعة النشطة، لأنها تحدد برامج المساعدات الخارجية لمواصلة التمويل"، نجد أن هذه الخطوة لا تخرج عن أحد أمرين أو كليهما:
الأول: أنها تأتي في سياق الابتزاز الأميركي الذي بدأ بادعاء رغبة إدارة الرئيس ترامب في سحب قوات الاحتلال الأميركي من الأراضي السورية، وبالتالي هي محاولة ابتزاز أخرى باستدرار الضروع لحلبها. وتذكر الأنباء أن هناك دولة عربية أبدت استعدادها لتكفل عملية التمويل في إطار تبنيها ودعمها لتنظيم "جبهة النصرة" الإرهابي، باعتبار ـ وكما ذكرت آنفًا ـ أن ما يسمى مجموعة "الخوذ البيضاء" تابعة للتنظيم الإرهابي.
الثاني: محاولة أميركية لتأديب هذه المجموعة المسماة بـ "الخوذ البيضاء" لما تسببته من فضيحة كبيرة نتيجة فشلها في إخراج مشاهد الفبركة لمسرحية استخدام السلاح الكيماوي ضد المدنيين في مدينة دوما بالغوطة الشرقية بهدف اتهام الجيش العربي السوري بالجريمة، بما يعطي الذرائع الكافية ويخدم الأكاذيب التي سردتها قوى التآمر والعدوان في مجلس الأمن الدولي، والتي بموجبها شنت عدوانها على سوريا (العدوان الثلاثي الأميركي البريطاني الفرنسي)، استباقًا لنتائج التحقيق الذي تجريه منظمة حظر الأسلحة الكيميائية التابعة للأمم المتحدة، حيث جاءت الشهادات لمن ظهروا في مشاهد الفبركة المصورة فاضحة لما تسمى بـ "الخوذ البيضاء" التي أوكل إليها مهمة الفبركة، فضلًا عن أن خبراء الأسلحة الكيماوية الذين شاهدوا فصول المسرحية فندوا ودحضوا مضمون تلك المشاهد ومصداقيتها.
كذلك، وما يلفت الانتباه، أن الأنباء عن تجميد إدارة ترامب تمويل ما يسمى "الخوذ البيضاء" جاءت مباشرة إثر انتهاء منظمة حظر الأسلحة الكيميائية مهمتها في الغوطة الشرقية، وتحرك موسكو بتقديم الأشخاص ـ بمن فيهم الطفل ـ الذين ظهروا في مشاهد الفبركة إلى محكمة الجنايات الدولية لتقديم شهاداتهم، لإدانة الجناة الذين فبركوا كذبة السلاح الكيماوي، والذين اعتدوا على سوريا متخذين من هذه الكذبة ذريعة لهم، ما يعني أن إدارة ترامب ربما تحاول مسبقًا تفادي وتدارك ما قد تخلص إليه نتائج التحقيق لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية من نفي لاستخدام الكيماوي، لتظهر نفسها أمام الرأي العام الأميركي والعالمي أنها جمدت التمويل لمجموعة "الخوذ البيضاء" بسبب التضليل الذي ارتكبته.
أما ما يتعلق بالأدوار المشبوهة والخادمة للنزعة الانفصالية التي تقوم بها ميليشيات الانفصال الكردية المسماة "قسد" فلا يخرج عن الإرادة الصهيو ـ أميركية بتقسيم سوريا عبر الرهان على هذه الميليشيات الانفصالية والتنظيمات الإرهابية ممثلة بعمودها الفقري "داعش والنصرة" وتوابعهما، في تحقيق ذلك، حيث تشير الأنباء إلى حملات اعتقالات للشباب وخصوصًا المكون العربي (للتجنيد الإجباري) من قبل ما يسمى وحدات الحماية الكردية في أغلب المناطق الخاضعة لسيطرتها لزجهم في جبهات القتال، ومن جهة أخرى تقوم بإغراء آخرين برواتب عالية للتطوع ممن هم خارج عمر المطلوبين لهم لإغرائهم للتطوع تتراوح بين (٧٥ ألفًا و١١٥ ألفًا ليرة سورية). ويتزامن هذا مع وصول أسلحة وذخائر ومعدات قتالية مقدمة من "التحالف الدولي" الذي تقوده واشنطن إلى "الوحدات الكردية" في سوريا قادمة من العراق. وحسب المصادر فإن الأسلحة وصلت إلى معسكر تلبيدر الواقع على الطريق الدولي بين مدينة القامشلي وبلدة تلتمر شمال مدينة الحسكة، وهو أحد أكبر المعسكرات التابعة للوحدات. وأوضحت المصادر، أن عشر شاحنات التي تحمل كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر والمعدات القتالية، قدمت من العراق عبر معبر فيشخابور الواصل بين سوريا وإقليم شمال العراق بمحافظة الحسكة. وحسب معلومات موثوقة فإن معسكر تلبيدر يضم ثمانية مستودعات لتخزين الأسلحة، تنقسم إلى نوعين؛ الأول يضم خمسة مستودعات ويخزن داخله السلاح النوعي المتطور والذي يحصل عليه من التحالف الدولي، والثاني مخصص للأسلحة التي تستخدم في التدريب داخل المعسكر. يشار إلى أن المعسكر يستخدم من قبل "الوحدات الكردية" في تدريب الشبان الذين يعتقلهم ويجندهم، ضمن حملات التجنيد الإجباري التي يشنها في مناطق سيطرته. كما يتزامن هذا التطور مع المعلومات التي أوردها الجانب الروسي بأن الولايات المتحدة تدرب مجموعات إرهابية في منطقة التنف السورية، وتمنع دخول المساعدات الإنسانية إلى مخيم الركبان ومدينة الرقة. وتهدف واشنطن إلى زج هذه المجموعات الإرهابية في صفوف الميليشيات الانفصالية الكردية لتكوِّن منها جيشًا أو بالأحرى طابورًا خامسًا لها لتحقيق شيء ما على الأرض بفصل شمال سوريا وشرقها، وكذلك لمواصلة استنزاف الدولة السورية وحلفائها، خصوصًا وأن هذا التدريب الأميركي للمجموعات الإرهابية تزامن هو الآخر مع تأكيد واشنطن أنها ستتدخل لحماية هذا الخليط الإرهابي الانفصالي في مواجهته للجيش العربي السوري والقوات الرديفة. وإن كان في تقديري، يبقى لكل حادث حديث، وللميدان أحكامه ولغته التي أثبت أنه لا يجيدها سوى الجيش العربي السوري وحلفائه.

خميس بن حبيب التوبي
[email protected]