حين رسمت النهضة المباركة التي يقود مسيرتها الظافرة بكل حكمة واقتدار حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ أهدافها الوطنية وخططها التنموية وفق مراحلها الزمنية، كان الرهان ولا يزال على الإنسان العماني في إنجاز الأهداف والخطط التنموية، وتحقيق التطلعات الوطنية والغايات الكبرى التي اعتملت في فكر القيادة الحكيمة، وحركت رواكد الطموح والرجاء، وحركت الشجون والأحلام لدى الإنسان العماني لتلتقي في رؤية مشتركة جليلة وهدف سامٍ نبيل وهو انتشال عمان من نتائج ماضٍ تخللته محطات تاريخية انعكست آثارها بصورة سلبية على الكيان والوحدة الجغرافية، وما رافقها من نعرات أثرت بشكل كبير على مكامن قوتها وامتدادها واستقرارها وأمنها ووحدتها.
لذلك كان الترحيب غير المسبوق بالفجر الجديد الذي أشع نوره على عمان بقيادة جلالة السلطان المعظم ـ أيده الله ـ خير معبِّر عن الإرادة الجامعة لدى الشعب العماني للتخلص من حقبة الماضي، والتحرك نحو عهد جديد تقوم فيه الدولة العمانية العصرية، دولة المؤسسات والقانون، لترسي واقعًا جديدًا قائمًا عماده تحرير إرادة الإنسان العماني وتنميته من جميع الجوانب التعليمية والصحية والتأهيلية والتدريبية وتوفير متطلباته واحتياجاته، ليكون المنطلق الحقيقي في بناء الدولة العمانية العصرية المنشودة، وبالتالي لا بد من إشراكه في رسم حاضره ومستقبله، وما يخدم حياته وحياة أبنائه من بعده، وعلى هذا الأساس انطلقت عملية وضع البنية الأساسية للعمل العام وكانت النتائج مبهرة كما نرى في الصفحات التي تم تسطيرها من كتاب النهضة الخالد.
وبناء على النظرة العليا إلى الإنسان العماني واستنادًا إلى دوره الوطني، كانت عُمان هي الحاضن الحقيقي للمواطن، من حيث الرعاية والعناية والتعليم والتدريب والتأهيل، ووضعت خططها التنموية بما يتناسب مع شخصيته ومرجعياته الثقافية والدينية والتاريخية ويتواكب مع ما يفرزه العصر من علوم وابتكارات، الأمر الذي انصهرت معه تلك النظرة الضيقة إلى القبيلة التي حاولت أن تضعها موضع الوطن بأكمله، فأصبح مجتمع القبيلة في العهد الجديد مصدر قوة للدولة في عملية البناء والتنمية، وداعمًا للوحدة، بانصهاره في مؤسسات الدولة المختلفة، وجعل المرجعية لدولة المؤسسات، والحاضن الحقيقي، بحيث تبقى القبيلة محل تكريم وفخر ومرجع للفرد فقط.
إن هذا التحول الذي شهدته عُمان في هذا العهد الزاهر قد ثبتت أركانه وقواعده المنظومة المؤسسية التي حلت محل القبيلة، وأعطاه قوةً، الوعي الكبير لدى أبناء عُمان الأوفياء بأن قوتنا وسيادتنا وأمننا واستقرارنا ورفاهنا في وحدتنا ووحدة بلادنا، وبالتالي بات في عرف الجميع وفي وعيهم بأن الخروج عن هذه المكتسبات الوطنية أو محاولة التشكيك فيها أو المساس بها، أمر مرفوض، ويأتي في سياق حماية هذه المكتسبات، تأكيد الادعاء العام في بيانه أمس للمواطنين والمقيمين على أرض السلطنة بأنه سيتخذ كافة الإجراءات القانونية الخاصة ذات الصلة ضد كل من يدعو إلى عقد ملتقيات أو تجمعات قبلية أو يروج لها أو يحرض أو يساعد عليها بأي وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي أو أي وسيلة كانت خارج حدود القانون. مشددًا على أن هذا الإجراء يأتي حرصًا منه على المشاركة في صون منجزات ومكتسبات النهضة المباركة التي أسس دعائمها وأركانها حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ القائمة على احترام سيادة القانون وبناء دولة مؤسسات عصرية اكتملت أركانها بصدور النظام الأساسي للدولة والذي أكد في مبادئه أن "السلام هدف الدولة، وسلامة الوطن أمانة في عنق كل مواطن" للمحافظة على التلاحم والتعايش السلمي، وتكفل الحقوق للجميع بموجب قوانين غايتها منع كل ما من شأنه المساس بالمجتمع وأمنه وترابطه. علمًا أن اقتراف مثل هذه الأفعال يندرج ضمن الجرائم المعاقب عليها بموجب قانون الجزاء العماني، كما أنها قد تشكل جرائم أخرى منصوصًا عليها في القوانين الخاصة ذات الصلة.
إن السلام الاجتماعي يمثل نعمة كبرى ولا يشعر بقيمتها وأهميتها إلا من فقدها، والأحداث الإقليمية والدولية تكتظ اليوم بالأمثلة عن الشعوب التي فرطت في سلامها الاجتماعي ووطنها وأصبحت تبكي دمًا عليه من أجل إرجاعه، ويعد أحد الأسباب التي دفعتها إلى التفريط في هذه النعمة نعراتها التي لا تمت للدين ولا لمعاني الأخوة وروابط العقيدة والدم والتاريخ، وللمشاعر الإنسانية ومظاهر التعايش السلمي بصلة؛ لذلك مسؤولية الحفاظ على نعمة الأمن والاستقرار هي مسؤولية عظيمة، فبها تتحقق حكم الخالق سبحانه، وتتحق تطلعات الناس ومصالحهم.