”أن نجاح "إجراء الانتخابات البلدية علامة من علامات نجاح المسار الانتخابي الديمقراطي في تونس وعنوان كبير على عملية الانتقال الديمقراطي بتوافق كل اطراف العملية الانتخابية. واكدها عدم فوز حزب رئيس الجمهورية بالمركز الأول بل جاء ثانيا، الا ان ذلك لا يخفىي البحث في دراسة عزوف الشباب وتدني نسب المشاركة التي وصلت لحوالي 33 بالمائة،”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انتهت الأحد الماضي الانتخابات البلدية في تونس وسط تنافس أكثر من 2000 قائمة في مختلف المحافظات التونسية، وقد حققت حركة النهضة الإسلامية فوزا كبيرا في أول انتخابات محلية تشهدها تونس منذ ثورة (الياسمين) التي حدثت في العام 2011، وبعيدا عن الفصيل الذي استطاع تحقيق الفوز أو الآخر الذي لم يحالفه الفوز الا انه وبطبيعة الحال فإن الفائز الأول هو الشعب التونسي، الذي ادرك بتاريخه العريق في السياسة والمشاركة الفعالة انه يعلم تماما اين تتجه بوصلة مصالحه، مع اعتماده على التجارب السابقة لا على الجدل من أجل تفضيل مصالحه في اختيار الناخب، وفي اي اتجاه ترتكن تلك المصالح التي ستؤدي في النهاية إلى استفادة مجتمعية، ودائما ما يثبت الشعب التونسي انه هو الرابح الوحيد من كل سباق انتخابي ديمقراطي، ورغم قلة المشاركة التي بلغت ثلث الناخبين المسجلين فقط الا انه كان هناك تحفيز للبعض على المشاركة في الانتخابات فتابعت عن طريق برامج التواصل الاجتماعي الاهتمام بالعملية الانتخابية والمشاركة فيها لإنجاحها وخاصة ممن يتواجدون خارج الوطن ولم يستطيعوا الادلاء بأصواتهم وعوضا عن ذلك كانوا يحثون اهاليهم وذويهم على النزول للمشاركة والادلاء بأصواتهم من اجل انجاح العملية الديمقراطية في تونس، ولا يهم هنا ان كان الناخب شابا أو طاعنا في السن المهم ان يشارك. وشاهدت تبادل الحوارات التي كانت توجه الأصوات كلا حسب قناعته فرأيت النقد اللاذع الذي كان يسلك سبيل الجد احيانا والفكاهة أحيانا اخرى.
ان انتخابات السادس من مايو البلدية في تونس ستظل علامة فارقة ومؤشر بالغ الأهمية على الشعبية التي يتمتع بها كل فريق سياسي، وقد حصدت "النهضة" التي تمثل التيار الإسلامي الفوز في 12 بلدية من أصل 16، كما فازت بالبلدية الأهم وهي بلدية العاصمة والتي فازت بها لأول مرة امرأة، فيما حلت حركة "نداء تونس" التي يتزعمها الرئيس الباجي قائد السبسي ثانيا بعد النهضة، بينما مني اليساريون والقوميون بهزيمة كبيرة أمام كثافة التصويت للحركة الإسلامية.
ويأتي فوز النهضة ليتوج نهج الحركة على التوافق والانفتاح على الآخرين خاصة الفئات المجتمعية التي كانت بعيدة عن ايديولوجية الحركة.. وقد رأينا كيف ان حركة النهضة قد رشحت سعاد عبد الرحيم ـ وهي سياسية مستقلة وغير محجبة ـ لتتولى منصب شيخ المدينة في تونس (رئيسة المجلس المحلي)، وتمكنت من الفوز في هذه المنافسة الانتخابية، لتكون بذلك سعاد هي أول امرأة تشغل هذا المنصب في تاريخ تونس، وسعاد عبد الرحيم هي عضو المكتب السياسي لحركة النهضة التونسية.
إن نجاح "إجراء الانتخابات البلدية علامة من علامات نجاح المسار الانتخابي الديمقراطي في تونس وعنوان كبير على عملية الانتقال الديمقراطي بتوافق كل اطراف العملية الانتخابية. واكدها عدم فوز حزب رئيس الجمهورية بالمركز الأول بل جاء ثانيا، الا ان ذلك لا يخفي البحث في دراسة عزوف الشباب وتدني نسب المشاركة التي وصلت لحوالي 33 بالمائة، وعلى الأحزاب التي شاركت في العملية الانتخابية دراسة هذا الأمر خاصة الأحزاب التي لم تحقق نجاحات من اجل كسب اصوات جديدة في الاستحقاقات الانتخابية القادمة مثل اليساريين والقوميين، فالعزوف عن المشاركة في الانتخابات يعطي في بعض مدلولاته فقدان الناخب الثقة في الأحزاب، أو ان خطاب الأحزاب لم يصل إلى مطالب الناس وتحقيق امنياتهم.
ان الانتخابات التي جرت في تونس تعطي مؤشرا على امكانية ان تكون هناك انتخابات تعددية حرة ونزيهة وان تونس تمثل الديمقراطية الناشئة في المنطقة وهذا ما يلقي عليها عبئا كبيرا نظرا لأنها تمثل عربة القطار التي يسير خلفها العديد من بلدان المنطقة التي تحلم بالديمقراطية وبتحقيق ما تم في تونس لتأخذ منه نموذجا في بلدانها، فالانتخابات البلدية تثبت ان تونس استطاعت ـ بكل الايجابيات والسلبيات ـ ان تتخطى سلبيات الحركات الشعبية التي اطلق عليها الربيع العربي، فكما كانت هي اولى الدول التي بدأت بها شعلة التغيير فهي ايضا اولى الدول التي تنجح في ارساء ديمقراطية قد تواجهها عداوات داخلية أو خارجية تريد الانقضاض عليها حتى لا ينتقل إليها المسار الديمقراطي.

جودة مرسي
من أسرة تحرير الوطن