[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/tarekashkar.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]طارق أشقر [/author]
لفت نظري في أكثر من مرة في غير ايام شهر رمضان مرور سيارات خاصة بلوحات "خصوصي" تتوقف من وقت لآخر على جانب الطريق في انحاء متفرقة بمحافظة مسقط وغيرها من محافظات السلطنة، فيقوم سائقوها بمناداة من يتواجدون على جوانب تلك الطرقات من عمال منشغلون في أداء مهام أعمالهم المكلفون بها، فيقدمون لهم وبكل لطف قارورات مياه صغيرة تبدو من على البعد ندية وباردة في مظهرها الخارجي مما يعني بأن من يقوم بتوزيعها لديه داخل سيارته الخاصة حافظة مبردة صغيرة وضعها خصيصا لتبريد تلك المياه قبل توزيعها على العمال العطشى. واللافت أيضا أن اربعا من ثلاث حالات شاهدتها في طرقات مختلفة بمحافظة مسقط هي سيارات تقودها نساء.
وفيما يرى علم الاجتماع بأن أهم ما يميز "مفهوم الظاهرة الاجتماعية" على وجه العموم بأنها اي الظاهرة تشتمل على سلوكيات الأفراد ومن شأنها أن تؤثر في غيرهم من الأفراد الآخرين في نفس المجتمع ايجابا أو سلبا، وذلك حسب مستوى تقبل المجتمع للظاهرة عند معايرتها بالقيم الأخلاقية المتعارف عليها بالمجتمع. لذلك فإن ظاهرة السقيا على الطرقات واثناء سريان حركة المرور في الطرق التي تجري على جوانبها أعمال مختلفة انشائية أو غير إنشائية، تعتبر حسب السائد من القيم في المجتمع المحلي من الظواهر الايجابية بشكل عام.
وبتناول هذا السلوك ومهما كان فرديا، يمكن استقراء مردوداته الإيجابية على أكثر من مستوى وهي على المستوى القيمي، والاجتماعي الانساني، وكذلك المستوى الاقتصادي والسياحي معا.
فعلى المستوى القيمي، فإن بروز ظاهرة السقيا على الطريق، وعلى الرغم من أن السقيا عادة متأصلة في المجتمع العماني خصوصا في المجتمعات الريفية حيث تكثر ثلاجات المياه المبردة التي تمد حنفياتها خارج أسوار الكثير من المنازل في المناطق الريفية وفي الأحياء الطرفية في المدن، الا ان انتقال هذه العادة إلى نطاقات أخرى متحركة وبشكل أوسع، يشكل إضافة نوعية إلى البناء القيمي للمجتمع العماني بالقدر الذي يستهوي كل ذي قلب رحيم ان يتبنى هذه القيمة النبيلة.
وعلى المستوى الاجتماعي والانساني، فإن ظاهرة السقيا المتحركة على السيارات الخاصة تعكس بشكل عملي روح التراحم والتعاطف التي يتمتع بها افراد المجتمع الانساني في عمان. كما انها تعزز من سمو النظرة الاجتماعية إلى الآخر، خصوصا وأن غالبية المستفيدين من هذا السلوك هم العمال الذين يتطلب القيام بمهام عملهم التواجد على جوانب الطرقات سوا كانوا عمال نظافة، أو عمال بناء أو رصف وتشجير وتجميل الطرق وغيرها من المشاريع، فإن ممارسة هذا النوع من الأعمال مهما كان وقتها خلال الساعات المسموح فيها رسميا بالعمل فالبضرورة ان يشعر فيها العامل بالعطش حتى لو لم يكن الجو حارا.
اما على المستوى الاقتصادي والسياحي معا، فإن انتشار ظاهرة السقيا المتحركة على السيارات الخاصة لابد ان ينعكس تجاريا على زيادة الطلب المحلي على منتجات مياه الشرب المعبأة في قارورات صغيرة، مما يسهم في زيادة ازدهار هذا النوع من المنتجات.
أما سياحيا، فإن هذه الظاهرة يمكنها ان تشكل اضافة أخرى للمكون السياحي، خصوصا وان السائح المتفتق الذهن عادة لا يكون محدود الرؤيا حول ما يتطلع إلى التعرف عليه في البلدان التي يزورها، فرغم من أن غالبية السياح يركزون على المزارات السياحية والمناطق الأثرية والمواقع الطبيعية كالسواحل والجبال والأودية والكثبان وغيرها، الان من بين السياح من له رؤية انثربولجية في فلسفة برامجه السياحية، فمنهم من يعتني بالتعرف على عادات الشعوب وقيمهم وممارساتهم الحياتية وتقاليدهم، لذلك لابد من ان تسهم ظاهرة السقيا في عكس بعض ما يتميز به المجتمع العماني من نبل وقيم إنسانية رائعة.

طارق أشقر
من أسرة تحرير الوطن
[email protected]