هناك فرق شاسع، وبون واسع بين التفضيل، وبين المحاباة؛ فالتفضيل أمر محمود؛ يأتي بخير، ويحقق مصلحة. أما المحاباة أمر مذموم؛ لا يأتي بخير، ولا يحقق مصلحة.
التفضيل؛ هو اختصاص شخص بوظيفة كمنصب رفيع بدافع الحكمة؛ لجدارته، وكفاءته، وقدرته، أما المحاباة فهي اختصاص شخص بوظيفة كمنصب رفيع؛ بدافع الهوى، كالمحسوبية البغيضة، أو الواسطة المقيتة، أو المصلحة الشخصية.
التفضيل يؤدي إلى نتائج طيبة، ويحقق ثماراً إيجابية، تسهم في دفع عجلة التمنية والبناء، وفي زيادة الإنتاج والعطاء، وفي ازدهار الوطن، ورخاء المجتمع.
أما المحاباة فتؤدي إلى نتائج سيئة، وعواقب وخيمة، وآثار كارثية؛ منها؛ فساد، وسوء إدارة، وإهمال، وتقصير، وعدم مبالاة، وقلة إنتاج، وتخلف، واختلاسات، ورشاوى، وخيانات؛ حيث تموت القلوب، وتباع الضمائر بأبخس الأثمان، وبأرخص الأسعار، وبحفنة من الدريهمات الزهيدة؛ حيث تعشى الأبصار، وتعمى البصائر، وتتبدل القيم، وتنعكس الموازين، فتهدر الأمانات، وتنقض العهود، وتنسى المروءات، فلا تراعى الأصول ولا تحفظ، ولا تقدر المعادن ولا تصان. للحديث بقية.
إن الإخلال بالوظيفة، والتفريط فيها، وعدم الوفاء بها؛ يأخذ صوراً شتى، وأشكالاً مختلفة، وأساليب متعددة منها؛ استغلال الوظيفة استغلالاً شخصياً لتحقيق مآرب وأهداف ومنافع خاصة، كتجميع أموال، وتكديس ثروات، وتأسيس شركات، وتكوين مؤسسات، وبسط نفوذ وهيمنة وسطوة؛ يتم هذا بطرق مباشرة وغير مباشرة كالتلاعب في المناقصات، أو استغلال ثغرات القانون، هروباً وانفلاتاً من المساءلة والعقوبة، أو التحايل على النظم واللوائح، وكل هذا حرام وجرم، فالتحايل على الحرام، والتحايل على القانون حرام مجرم شرعاً وقانوناً.
ومن صور الإخلال بالوظيفة أن الموظف لا يعترف بفشله، ولا بإخفاق قراراته، ولا يُقر بأخطائه وتجاوزاته، بل يصر على تبرير صنيعه، ويؤكد على صحة قراراته، ويظل يدافع عن أخطائه وتجاوزاته وأغلاطه، وإن وقع في مأزق وأزمة، أو سقط في ورطة وشدة، ومشكلة، أو هوى في مشكلة وقضية؛ ألقى باللوم، والخطأ، والتقصير، والمسؤولية على غيره لينجو بنفسه.
أتدرون لماذا يفعل هذا كله؟.
لأنه أضعف وأقل من أن يكون أهلاً لتحمل المسؤولية، فليس لديه الجرأة والشجاعة للاعتراف بالخطأ، فهو ليس برجل مواقف، على أن الاعتراف بالخطأ من شروط التوبة والإصلاح، فهو دليل على حسن النية وتصحيح المسار، وبرهان على صدق التوجه والقصد، فالاعتراف بالخطأ من صفات العظماء، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعترف ويقر بخطئه بكل أريحية وشموخ أمام المسلمين في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أثناء خطبته للجمعة وذلك عندما أراد أن يحدد مهور النساء، فإذا بامرأة من بين المصليات تعترض عليه، وتصحح ما رآه، وإذا به يقول بأعلى صوته: أصابت امرأة وأخطأ عمر، فهذا الموقف الجريء الصادر من عمر يُحسب له، وهذا العبارة الصادقة التي خرجت من قلبه على لسانه، تزيده مكانة ودرجة عند الله تعالى، وتزيده عظمة وحباً لدى الناس عامة ولدى المسلمين على وجه الخصوص، فهي لعمر وسام عز وشرف، وعظمة وقوة، وأمانة وتقوى، ستظل تمنح له كلما ذكرت إلى يوم القيامة فرضي الله تعالى عن عمر فقد كان مثالاً عظيماً رائعاً؛ عدلاً، وأمانةً، وقوةً، وزهداً، وورعاً، وحزماً، وحلماً.

د/يوسف بن ابراهيم السرحني