حين يسكن الوجود، ويرتدي الكون حلة مسائه الناعسة يمتلئ الكون بهمسات الليل التي ترهف لها مسامع الأرواح المشوقة إلى الله - تعالى - هناك لطائف نجوى، وأشعار وجدٍ وسلوى، هناك السّحب تصوغ حللها البيضاء للعيد، وهناك النجمات تبعث جدائلها لتعلق هدايا العتق من النيران.. كيف لي أن أنام، وقد تزاحمت الألوف على الباب، تعدّها ليلة عظيمة من ليالي الثلث الأخير الفردية!!
يا زائر الشوق لا تتركني على شوك الفراق، وأنا قلبي مذبّح.
يا زائر الشوق أغدو مسامع لهمسك اللطيف، كالريش ينثر الحروف.
يا زائر الشوق.. عانقت روحي روحك فكيف تفصلني؟!
كم أهواك.. أنا وأنت، تصوغني عِبراً وعبيراً وعبرات وعبارات.. أغلقت السماء فيها بكفها فقد علت دعوات المناجين، وضج الوجود بأصوات الدعوات والبكاء والنحيب، يا قيّوم السموات والأرض، من لنا سواك يرحمنا، من يعطينا، من يرشدنا، من يهدينا، من لنا في الرحمات يؤوينا..
خائفون يا ملاذ الخائفين.
مشرّدون يا أماننا،
شدت أيادينا ونحن نتعلق بأستار الرجاء، هوينا سجداً،
قد هوينا سجدا
ثم قمنا نحمد الله - تعالى -
الأوحد
يا ليلة الشوق التي
رسمت بروحي مسجدا
فأضأتُ شمعي نار دمعي
أذوي حنينا
وأصوغ لحناً خالداً
ابغي رضاك
من لي سواك
أنا لا أستقي إلا هواك
فارحم ذليلاً عابدا
أحرقت أهوائي جميعاً
أيقنت حبك سرمدا
أنا لا أرى إلا بنورك خالقي
وبه عرفت السؤدد
جاؤوا جميعاً دعوة
والباب خلفي أُوصد
وخلوت نجواي هوى
ورأيت نجما مرشدا
ونثرت قلبي كالندى
وغدت حياتي جنة
بالحب أسمو سيدا
كم من جناح للهوى
رسم الطريق وأرشدَ

أم عاصم الدهمانية