[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/adelsaad.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عادل سعد[/author]
”هل يمكن أن يحكم اللغط خلال مرحلة السنوات الأربع المقبلة, ليس برسم الغيب أن نقول إن الفرصة في مزاحمة هذا اللغط متوافرة، ولكن بشرط أن يتخلى السياسيون العراقيون من ضغوط المتاريس التي صنعوها لأنفسهم، ويضعوا استحقاقات البلاد على طاولة عملهم في مواجهة تحديات ليست قليلة.”
عادل كاتب عراقي
بينما دخل العراق اليوم الجمعة حالة الصمت الانتخابي البرلماني انتظارا للغد عند صناديق الاقتراع, يتواصل اللغط الشاخص المزمن عن حيثيات هذه التجربة السياسية بكل ما تحفل به من حدة ومفارقات ومضاربات ومساومات تسقيط البعض ضمن عناوين برزت خلال فترة الدعاية الانتخابية على امتداد خريطة البلاد في طروحات ساذجة يحكمها (النفخ), تستطيع أن تجدها في لمعان صور المرشحات والمرشحين، والعمل في إطار احتفالي تستنسخ في بعض الأحيان مهرجانات أعراس الثعالب, مع ملاحظة أن العديد من تلك الصور كرست فوضوية وبدائية الإعلان, وكأنها في مناكدة لئيمة ضد الواقع المطلوب, مناكدة حضورها الفاقع يتحاشى الاقتران بالحقائق وما تمليه آمال وتطلعات الرأي العام العراقي الآن وإلا ماذا نفهم من شعارات كتل سياسية بالقول نحن مستقبل العراق, وبيارق الخير, أو نحن جئنا ممثلين حقيقيين للشعب وليس غيرنا, أو وفق شعار فنتازي تحركه فقاعة الفهم لمعنى التحدي (احنه كدها), بمعنى نحن بمستوى المنازلة, بل هناك شعارات أخرى لا تملك إزاءها إلا الخجل لأنها تقوم على وعود أغلبها مجرد مساومة على قرار الناخب ومحاولة (تسليفه) آمالا كاذبة ليس إلا, أو تهريب الواقع العراقي الحالي إلى مجاهل غامضة.
الحال إن اللجوء إلى هذا النوع من الدعاية افتقر الى أبسط مقومات استقطاب المتلقي إذا أخذنا بحقيقة أن أغلب الكتل السياسية تخوض الانتخابات البرلمانية الجديدة وهي تملك رصيدا في عضوية مجلس النواب, أو الحكومة على مختلف مؤسساتها, لكنها لم تستطع أن تصنع نموذجا حقيقيا للدولة المدنية بحضور ديموقراطي تنموي خدمي, إلا القليل إن لم نقل الشحة الدائمة, وهكذا يكون من الطبيعي بل والحتمي أن اللغط لن ينتهي عند إغلاق صناديق الاقتراع والدخول في عملية الفرز وإعلان النتائج, إنما ستكون هناك جولات مفتوحة لهذا اللغط واللهط السياسي إذا خسر البعض فرصهم في التأهل للبرلمان، وستكتسح البلاد سيول من الادعاءات والمزاعم والحقائق عن تزوير حصل في هذه الدائرة الانتخابية أو تلك, ومع حوكمة اللغط فإن عيون سياسيين كثر ستظل معلقة على استحقاق آخر فيه الكثير من روائح غنائم توزيع الحقائب الوزارية عندما تبدأ (ملحمة) تأليف الحكومة وما يترتب عليها من جدل بعضه عقيم, أهي حكومة توافق أم حكومة أغلبية؟ وما تشهد من صفحات بيع وشراء وولائم على إيقاع الذين يعرفون (من أين تؤكل الكتف) في مواقف مدججة بالنفاق والنزوع لترضية سياسات إقليمية ودولية في تخادم واضح لمداولات مريرة على من سيكون رئيس للحكومة العراقية المقبلة، وما يتطلب من سياسات إرضائية لواشنطن والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي وتسديد ديون، والعمل بموجب تعويضات حروب سابقة دفع العراقيون ثمنها مقدما، وها هم يدفعون التعويضات مجددا في خسارات بنيوية معروفة.
إن هناك أجوبة جاهزة بدون شك لبعض تلك الاستحقاقات كأن يتم إعادة جدولة الديون وتحميلها فوائد إضافية بهدف استمرار تطويق الاقتصاد العراقي والإمعان في ملاحقته خاصة إذا تكررت مفاجآت أسعار النفط في انخفاضات جديدة، وتفريخ احتمالات أخرى بعدم قدرة الحكومة على توفير أغطية مالية راجحة للموازنات السنوية ولرواتب الكتلة الوظيفية الحكومية التي (يتميز) بها العراق، مع العلم أنها الأكبر في منطقة الشرق الأوسط قياسا إلى عدد نفوسه، فضلا عن قائمة طويلة لا نهاية لها لمتقاعدين وموظفين هوائيين (وهميون) ومحسوبيات وإيفادات معالجة مسؤولين مرضى قد لا تصل حالاتهم السريرية إلى أكثر من زكام عابر.
السؤال هنا: هل يمكن أن يحكم اللغط خلال مرحلة السنوات الأربع المقبلة, ليس برسم الغيب أن نقول إن الفرصة في مزاحمة هذا اللغط متوافرة، ولكن بشرط أن يتخلى السياسيون العراقيون من ضغوط المتاريس التي صنعوها لأنفسهم، ويضعوا استحقاقات البلاد على طاولة عملهم في مواجهة تحديات ليست قليلة, وعليهم أن يضيفوا لها التحدي الجيوسياسي المتمثل في إعلان الرئيس الأميركي الإنسحاب من الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة دول خمسة زائد واحد.