[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
ما زالت الأجواء السياسية عابقة بالضربات المتبادلة بين إيران أو الجيش العربي السوري أو الحلفاء أجمعين، وبين إسرائيل .. لا يمكن فهم العملية خارج الصراع الثابت والدائم .. القضية الأبرز أن التفجير العسكري من جانب الحلفاء فيه غلة حقد دفينة لن تشفيها مجموعة صواريخ من جانبها، ولا حتى كل ما تملكه منها.
تبني إسرائيل قواعد اشتباكها على قاعدة تيئيس الآخر من البحث عن حل لحقده المتجذر .. أما الإيراني والسوري وحزب الله، فلا يأس بقدر ما يتجدد كل ساعة ودقيقة وجدان الفلسطيني المنكوب الذي يخترع كل الأشكال الممكنة التي تهدف إلى إبقاء شعلة وطنه في داخله.
قبل أن تقع الضربات الصاروخية بين الطرفين، كان ثمة من أبلغ بها، لكن ثمة من كان ينتظر في غزة أو في بيروت المعلومات التي تشفي .. فهي معركة تتفوق على ما جرى في السابق، لكنها مخصصة لأن تكون أقل من حرب، بل أقل بكثير من هامش الصدام الأكبر الذي يمكن أن ينسف المنطقة ويغير من معالمها.
كانت موسكو تستقبل الصهيوني نتنياهو، وكان الرئيس بوتين يسأل ضيفه الثقيل الذي فرض نفسه على الاحتفالات الروسية بيوم النصر على النازية أسئلة لا تغير من برنامج الاحتفال .. فمثل هذه المواعيد الروسية لها هوى كبير في نفوس الروس، ولعلهم يعتبرونها مفخرة تاريخهم، ومن حقهم تلك المشاعر بعد أن قدموا من أجل بلادهم أكثر من ستة وثلاثين مليون قتيل وخرابا لا يوصف في مدن عديدة، وكادت موسكو أن تتهدد أيضا.
ما جرى في الجولان أشبه بمعزوفات لحنية كتبت نوتتها جماعيا، وهي قد سمعته إسرائيل، بل دخل في عقل نتنياهو وليبرمان أنه ممنوع التكرار، فالكل إيراني وسوري وحزب الله، وروسي، هكذا تفوقت الجبهات التي عرفت ذلك الفهم، وهكذ سيكون، إنه حلف المستقبل الذي بني بالدم وبالدموع، لكنه قبلها قائم على منطق سياسي عميق يعتبر إسرائيل غدة سرطانية والصراع معها وجودي وأنها سبب الأزمات بكل كثافتها.
كانت حماس تتبلغ، وكان حزب الله .. الطرفان على استعداد دائم، لكن الإسرائيلي وفي اللحظات التي استبد به الخوف من الوصول إلى ما هو أعم، طلب تدخلا لإيقاف العملية. فرغم استعداده لها، إلا أنه فوجئ بنوعيتها وما أصابت عنده، فهي بالتالي لم تكن ردا، بل تغيير قواعد اشتباك، وتحديد مفاهيم، وردع من أجل أن لا يكرر الإسرائيلي عدوانه.
يعرف الإسرائيلي تمام المعرفة ما تعنيه جبهة لبنان إن هو أراد الوصول إلى حرب، لكنه أيضا قدم عرضا من الرد أراد من خلاله أن يقول للحلفاء ولحزب الله تحديدا قدراته، ولعله ينسى أن الأمين العام لحزب الله أفضل قارئ له ولإمكانياته وقدراته وطبيعة حراكه العسكري، لكنه أيضا يعرف مكان العطب فيه، وكيف بالتالي قد يسلم أو يرفع الراية البيضاء.
كان لا بد من تجربة العزف في الجولان، من مقدسات الحلفاء في سوريا وفي أمكنة أخرى، إنهم يعتبرون المعركة في أي مكان معركتهم، وليس بعد اليوم تفرد بأي طرف منهم، انتهى الزمن الذي كانت تلعب فيه إسرائيل لعبة الانفراد بكل قطر عربي أو تنظيم على حدة، هكذا فعلت في كل حروبها، وتلك هي قوتها .. ولهذا تزداد حيرتها وهي ترى حلفا مقدسا باتت له قواعده وتجاربه وخبراته وإمكانياته المسخرة من أجل معارك الوجود معها.