[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/fayzrasheed.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. فايز رشيد[/author]
” واضحة هي الأسباب التي حدت بالرئيس الأميركي لاتخاذ هذا الموقف السلبي, المخالف لإرادة غالبية دول العالم وللقوانين والأعراف الدولية! إنه السبب الإسرائيلي أولاً, فدولة الكيان الصهيوني, التي تمتلك منذ سنوات ما يزيد عن 200 رأس نووي, عارضت توقيع الاتفاق النووي الإيراني. كما أن نتنياهو ادّعى قبل أيام أن الموساد تمكن من تهريب آلاف الوثائق السرّية الإيرانية,”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نصف ساعة تقريبا فصلت بين خطابين, الأول قاله الرئيس الأميركي ترامب وأعلن فيه انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق 5+ا وإيران حول برنامج الأخيرة النووي, والثاني للرئيس الإيراني حسن روحاني, الذي تعامل بذكاء كبير مع الخطوة الأميركية. تميز خطاب روحاني بالهدوء والذكاء السياسي حيث لاقى قبولاً عالميا على الفور, ولم يتعامل مع الفعل بردّ فعل غاضب, فأبقى على الاتفاق انتظارا لموقف الأطراف الأخرى الموقعة عليه, وكلها انتقدت موقف الرئيس الأميركي, الذي تحدث في خطابه المتوتر( رغم حرصه على أن يبدو بمظهر هادىء), تميز خطاب ترامب بالعنجهية والصلف والغطرسة, وكل التبجح الاستعماري, في الوقت الذي أكدت فيه وكالة الطاقة الذرّية على التزام إيران الكامل بنصوص الاتفاق.
واضحة هي الأسباب التي حدت بالرئيس الأميركي لاتخاذ هذا الموقف السلبي, المخالف لإرادة غالبية دول العالم وللقوانين والأعراف الدولية! إنه السبب الإسرائيلي أولاً, فدولة الكيان الصهيوني, التي تمتلك منذ سنوات ما يزيد عن 200 رأس نووي, عارضت توقيع الاتفاق النووي الإيراني. كما أن نتنياهو ادّعى قبل أيام أن الموساد تمكن من تهريب آلاف الوثائق السرّية الإيرانية, وقام كـ "خبير نووي" بشرح مضمونها في عرض مسرحي فاشل, فكل المصادر المعنية اكّدت (بمن فيها وكالة الطاقة الذرّية) أنها وثائق قديمة ومكشوفة للعالم أجمع, الأمر الذي جعل من رئيس الوزراء الصهيوني, أضحوكة يميل إلى البهلوانية الاستعراضية, تماما على مبدأ "اكذب, اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس", وهو المبدأ الذي اعتمدته الصهيونية في نسج أضاليلها, وحق اليهود المزيّف في أرض فلسطين. نعم, تحت السبب الإسرائيلي, بأتي الموقف الإيراني الصلب والمبدئي من وجود إسرائيل, فهذا الموقف يرى في زوال إسرائيل مسألة حتمية مهما بلغت سنوات وجودها. هذا الموقف سيجرّ على إيران بالطبع غضب حلفاء إسرائيل وبخاصة حقد الإدارة الأميركية الحالية, المتصهينة في معظمها, والتي تقف على يمين الليكود الإسرائيلي.
إن تدمير المشروع النووي الإيراني كان وما يزال هدفا إسرائيليا (على شاكلة ما جرى في المشروع العراقي, وضرب إسرائيل لما أسمته مشروعا نوويا سوريا, وحرص الولايات المتحدة على تفكيك أنوية مشروع نووي ليبي للأغراض السلمية). تردد ذلك في كل المؤتمرات الاستراتيجية الصهيونية التي عقدت وتعقد في إسرائيل, بما في ذلك مؤتمرات هرتسيليا الاستراتيجية .تعودنا على المواقف الأميركية على مستوى الصراع العربي – الصهيوني, أن تكون صدىً للسياسات الإسرائيلية وببغاء لها! ومن أهم المبادىء الأمنية الإسرائيلية, عدم السماح للدول العربية أو الدول المعادية لإسرائيل بامتلاك أسلحة تهدد أمنها الاستراتيجي, من خلال القيام بتدميرها.
السبب الثاني للخطوة الأميركية, هو الدعم الإيراني لقوى المقاومة العربية والفلسطينية, وهذا ما يغضب دويلة الكيان الصهيوني, وحليفتها الاستراتيجية الأولى أميركا. أما السبب الثالث فهو الدور الإيراني في الوقوف في وجه الأهداف الأميركية والصهيونية والغربية في تفتيت سوريا وتقسيمها إلى دويلات , كما الانتصارات الأخيرة التي أحرزتها الشرعية السورية بمساعدة حلفائها , بالتالي تفويت الفرصة على هذا الهدف الأسود القمىء. السبب الرابع, هو امتلاك إيران لصواريخ بعيدة المدى قادرة على الوصول إلى العمق الإسرائيلي, وهذا مخالف للمبادىء الأمنية الإسرائيلية. خامساً, إن الذي يوتّر الأجواء في المنطقة هما أميركا وإسرائيل. وهذه حقيقة يعرفها القاصي والداني, والانسحاب الأميركي من الاتفاق يصب في هذا المجرى.
على صعيد آخر, إن معركة الصواريخ بين دولة الكيان الصهوني وسوريا شكّلت ردّاً نوعياً سوريّاًعلى الاعتداءات الصهيونية المتكررة على هذا البلد العربي, لقد حرص نتنياهو على السفر إلى موسكو( حتى دون دعوة روسية وُجهت إليه) ومقابلة الرئيس بوتين في ذات التوقيت, لإضفاء نوع من التأييد الروسي لهذا الاعتداء, أو على الأقل عدم التدخل فيما توجهه إسرائيل لسوريا من اعتداءات, وهذا كذب فلا يمكن لروسيا أن تقف سلبا من هذه الاعتداءات بسبب أنها تقاتل الإرهاب في سوريا, فكيف بها تسمح لإسرائيل بتبديد النصر الذي حققه الجيش السوري بمساعدة حلفائه في تحجيم الإرهاب إلى هذا الحدّ؟ نتنياهو وقبيل الذكرى السبعين على الإقامة القسرية لدولة الإرهاب والعدوان الإسرائيلية, حرص على إرسال رسائل لسورية وللدول العربية والإقليمية ودول العالم وبخاصة روسيا,أن إسرائيل لها مصالح يتوجب أن تحترم في هذا البلد العربي, لكن الردّ السوري الجدي, الذي أصاب مواقع عسكرية صهيونية مهمة في الجولان, عطّل هذه الرسائل. ثم إن نتنياهو أراد تركيز الأضواء على قدرة إسرائيل على تنفيذ وعودها وتهديداتها بعيدا عن قضايا الفساد الكثيرة المتهم فيها هو وزوجته, وبالفعل فإنه نجح قليلا في هذا الهدف, وهذا ما عكسته الصحافة والشارع الصهيوني, الذي أعطى لليكود 35 نائبا في الكنيست إذا ما جرت انتخابات تشريعية إسرائيلية في هذه المرحلة وفقا لاستطلاعات الرأي القريبة, وهذا يؤكد على مسار هذا التجمع الاستيطاني نحو المزيد من التطرف والإرهاب.ثم لا ننسى أن العدوان الإسرائيلي جاء مباشرة بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي الإيراني, وفي ذلك نيّة مقصودة لاستدراج أميركا تحو الهجوم على إيران, وهذا هدف إسرائيلي معلن منذ توقيع الاتفاق عام 2015.
نعم, إن الخطوة السورية شكلت ردا نوعيا منذ احتلال الجولان, وبالتالي شكّل فشلا كبيرا لعنجهية إسرائيل ولأهداف نتنياهو وغطرسته , بمنع تسليح سوريا بصواريخS300 وتحدثت مصادر وهيئات روسية عن مطالبتها لبوتين بتسليحها بصواريخ S400 . نعم, سوريا أرادت الرّد على التهديدات الإسرائيلية لها بتدمير دمشق واغتيال الرئيس الأسد, وهذا جاء على لسان نتنياهو وليبرمان, ووزير الطاقة شتاينبس بكل صلافة وفاشية ممثلة في عدوانية إرهابية منقطعة النظير. جاء الرد السوري بالرغم من التأهب الإسرائيلي, ودعوة المستوطنين الإسرائيليين للنزول إلى الملاجىء واستدعاء الاحتياط, وتنفيذا لما سبق وأن أعلنه الناطق العسكري السوري بأن سوريا سترد. ونتيجة لهذا الرّد أكدت مصادر إسرائيلية أن هذا سوف لن يؤدي إلى حرب شاملة, وطلبت من أطراف وسيطة بالتهدئة.
حاولت إسرائيل التقليل من قدرة الجيش السوري وشأنه, من خلال التركيز على الرد بأنه كان إيرانيا, وهذا ما نفاه نائب رئيس لجنة الأمن القومي الإيراني, ووكالة "سبوتنيك" الإعلامية الروسية, إضافة إلى مصدر عسكري روسي. جملة القول إن عربدة دولة الكيان الصهيوني في طريقها إلى التلاشي, تماما كمصير هذه الدويلة المارقة في التاريخ.