[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedabdel.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد عبد الصادق[/author]
” زاد نشاط الجمعيات الأهلية في مصر ونجح بعضها في القيام بأدوار تنموية حقيقية وتقديم الخدمات الصحية والتعليمية بكفاءة واحترافية في قرى الدلتا والصعيد والمناطق العشوائية, حتى أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي طلب من الجمعيات الأهلية إدارة بعض المستشفيات الحكومية التي عجزت الدولة عن تشغيلها لعدم كفاءة الإدارة وعدم وجود ميزانيات كافية تمكنها من تقديم الخدمة الصحية بالشكل المناسب.”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

في شهر رمضان يتقرب المسلمون لربهم وتزداد لديهم الرغبة في نيل الحسنات والإكثار من الأعمال الخيرة , ويحرص كثيرون على إخراج صدقاتهم وزكاة أموالهم في هذا الشهر الفضيل, ولكن في مصر يقع الصائمون في حيرة من أمرهم .. لمن يوجهون زكاتهم وصدقاتهم وتبرعاتهم في ظل كثرة المستحقين للمساعدة؛ و تعدد المصارف والجهات المستحقة للزكاة, وعدم تحديد من هو الفقير أو المستحق, حتى أن بعض العلماء أفتى بأن موظفي الحكومة يستحقون الزكاة في ظل التضخم والارتفاع الرهيب في الأسعار وتدني الأجور في بلد وصل تعداده لقرابة مائة مليون نسمة يقبع نسبة كبيرة منهم تحت خط الفقر.
صاحب "رمضان" في السنوات الأخيرة,في مصر زيادة لافتة في الإعلانات التى تحث على التبرع لبناء المستشفيات وعلاج مرضى السرطان وكفالة اليتيم وبنوك الطعام, واستعانت هذه الجهات بنجوم الفن والكرة في إعلاناتها التي تدعو المصريين للتبرع لصالحها, مما أثار حفيظة البعض عن صدقية وجدوى مثل هذه الإعلانات ووصول حصيلتها للهدف المعلن عنه, بدلا من إهدار نصفها أجورا للنجوم ومحطات التلفاز, ويرون أنه كان من الأجدى إنفاق أموال هذه الإعلانات على الحالات المرضية والمحتاجين بشكل مباشر, وكان رد معظم هذه الجمعيات التي تجمع التبرعات أن النجوم شاركوا في الإعلانات متبرعين وأن المحطة المعلنة تتقاضى مبالغ رمزية؛ إيمانا منهم بمشروعات الجمعية ونبل مقاصدها وتأكدهم من وصول التبرعات لمستحقيها ومكانها الصحيح.
لعقود طويلة كان العمل الخيري في مصر دوره هامشيا وكانت الدولة متكفلة باحتياجات محدودي الدخل من رعاية صحية مجانية وتعليم إلزامي مجاني وبطاقة تموين تؤمن معظم الاحتياجات الأساسية لمحدودي الدخل, وكان أفراد الطبقتين الوسطى والغنية يشاركون في نشاط الجمعيات الخيرية من باب خدمة المجتمع, والبعض الآخر من باب الوجاهة الاجتماعية وربما للدعاية السياسية ورغبة الحصول على أصوات المناطق الفقيرة في الانتخابات البرلمانية, ولكن بعد ثورة 25 يناير وما صاحبها من اضطرابات أدت لتوقف كثير من الأنشطة الاقتصادية وتراجع النشاط السياحي وإغلاق كثير من المصانع والشركات, فقد كثير من المصريين وظائفهم وزادت البطالة وقل عدد الوظائف, ومع تحرير سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار, زادت معاناة الكثيرين, هذه الظروف جعلت للعمل الخيري دورا أساسيا لخدمة شريحة واسعة من المجتمع.
زاد نشاط الجمعيات الأهلية في مصر ونجح بعضها في القيام بأدوار تنموية حقيقية وتقديم الخدمات الصحية والتعليمية بكفاءة واحترافية في قرى الدلتا والصعيد والمناطق العشوائية, حتى أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي طلب من الجمعيات الأهلية إدارة بعض المستشفيات الحكومية التي عجزت الدولة عن تشغيلها لعدم كفاءة الإدارة وعدم وجود ميزانيات كافية تمكنها من تقديم الخدمة الصحية بالشكل المناسب.
ووفقا لإحصائيات العام الماضي تبين أن الجمعيات الخيرية المصرية جمعت أكثر من 80% من التبرعات السنوية خلال شهر رمضان, بينما بقية العام لم يصلها سوى 20% فقط , بسبب التنافس على التبرع وفعل الخير في هذا الشهر المبارك الذي تحول إلى موسم لجمع التبرعات .
لذلك حرصت هذه الجمعيات على وضع خططها وتسويق مشروعاتها الخيرية عن طريق الإعلانات المنفذة بطريقة جذابة, و تبث قبل المسلسلات والبرامج التليفزيونية الأعلى مشاهدة, ووصل ما تم جمعه من تبرعات خلال رمضان الفائت لأكثر من 30 مليار جنيه مصري (14مليار دولار أميركي) وفقا للأرقام الرسمية, ولكن حجم التبرعات للأعمال الخيرية يفوق ضعف هذا الرقم لقيام أفراد وجهات عديدة بجمع التبرعات بشكل شخصي بعيدا عن رقابة وزارة الشؤون الاجتماعية, وهذا الرقم يفوق ميزانية الرعاية الاجتماعية المدرجة في الموازنة العامة للحكومة المصرية خلال السنة المالية الحالية.
وتعددت وسائل الدعاية لجمع التبرعات بخلاف الإعلانات التليفزيونية في مصر, من خلال رسائل قصيرة على الموبايل والتي جمعت 4 ملايين جنيه وإعلانات الشوارع (الآوت دور) وإعلانات الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي, فضلا عن إعطاء الجمعيات العضوية الشرفية للمشاهير للترويج للمشاريع الخيرية التي تتبناها هذه الجمعيات في مقابلاتهم وتصريحاتهم الصحفية بغية تشجيع البنوك والشركات والأفراد العاديين للتبرع لصالحها في ظل التنافس بين هذه الجمعيات للحصول على أكبر قدر من كعكة التبرعات الرمضانية.
وإذا كانت هناك جمعيات تعمل بشكل شرعي ووفقت أوضاعها قانونيا, فهناك جمعيات أخرى مخالفة وغير مسجلة في الشؤون الاجتماعية وتبتكر طرقا غير قانونية لجمع التبرعات لمشروعات وأغراض وهمية بعيدا عن رقابة الجهات المختصة المنوط بها وقف هذه المخالفات , ناهيك عن جمع التبرعات في المساجد بوضع صناديق داخلها أو أمامها, ولا نعرف الجهات المشرفة على هذه الصناديق وإلى أين تذهب حصيلتها.
في ظل تنامي حجم التبرعات ووصولها لأرقام مليارية, أصبحت هناك ضرورة ملحة لإيجاد آلية شفافة لجمع التبرعات وضمان وصولها إلى مستحقيها والغرض المتبرع من أجله وعدالة توزيعها بين الجهات والفئات الأكثر احتياجا, لابد من وجود رقابة صارمة من الدولة على عمل هذه الجمعيات ومراقبة حساباتها البنكية, حتى يطمئن المتبرع أن أمواله تصل للمحتاجين.
كما يجب تحديد من هو الفقير ومن هو غير القادر, وأن تكون هناك قاعدة بيانات مرتبطة بنتائج التعداد السكاني الأخير الذي شمل الدخل والبطالة والمحافظات والقرى الأكثر فقرا والفئات الأولى بالرعاية لتلافي ازداوجية الصرف واستفادة أكبر شريحة من المستحقين بأموال الزكاة والصدقات والتبرعات في هذا الشهر الكريم.