[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/alibadwan.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]علي بدوان[/author]
” المعنى في كل ماوقع في تلك الليلة الدمشقية، أن يَدَ الاحتلال، لن تبقى طويلة، ودون ردعٍ وحساب، بل هي الآن مغلولة ومقطوعة مادامت هناك إرادة بافشال العدوان والتصدي له، ومادامت هناك قوى عربية في المنطقة وفي فلسطين قادرة على الوقوف على قدميها ومقارعة الاحتلال وسياساته، وهو ماوضع نتنياهو وحكومته أمام حالة إرباك وتوتّر، جعلته يبادر لإطلاق تصريحات مستعجله، ومن موسكو : "إنَّ العملية العسكرية انتهت تماماً".”
ــــــــــــــــــــــــــــــــ

كانت ليلة مشهودة، ليلة دمشق التي وعَدَت وأوفت، ليلة التصدي لصواريخ العدوان "الإسرائيلي" التي انهمرت بعد منتصف ليلة العاشر من أيار/مايو 2018 على مناطق مُختلفة من دمشق وريفها، فاسترخت دمشق ومواطنوها، ومنهم كاتب هذه السطور، ولم تهزهم صواريخ العدوان، بل سهروا وخرجوا الى الشوارع لمشاهدة عملية تدمير تلك الصواريخ "الإسرائيلية" بفعل وسائط الدفاع الجوي السوري الحديثة والمتطورة، فذوت صواريخ العدوان بغالبيتها كالذباب حين تَمُسَهُ الحرارة. بل وأكثر من ذلك قامت الوحدات الصاروخية السورية بتنفيذ رشقاتٍ صاروخية متنوّعة، بعضها كان من الصواريخ التقليدية، وبعضها ذات مدايات متوسطة، وهذا يعود الى طبيعة الأهداف المستهدفة، وقد طالت تلك الصواريخ السورية مواقع جيش الإحتلال، وقد تلقت منظومة "أذان وعيون دولة الإحتلال في الجولان العربي السوري المحتل الجرعة النارية الاولى، وخاصة منها موقع الوحدة (9900) الإستراتيجية في جيش الإحتلال والتابعة للبرنامج الفضائي "الإسرائيلي" ولبرامج أقمار التجسس (اقمار افق)، إضافة للمُستعمرات الصهيونية في الجولان السوري المحتل، ووصلت لشواطىء بحيرة طبريا. فدشّن هذا الرد الرسالة القوية المُرسلة لحكومة نتنياهو، ومفادها بأن "اللعب بالنار لن ينفع إسرائيل في نهاية المطاف"، وأن الطرف السوري قادر على الرد بالرغم من جراح المحنة السورية الدامية.
المعنى في كل ماوقع في تلك الليلة الدمشقية، أن يَدَ الإحتلال، لن تبقى طويلة، ودون ردعٍ وحساب، بل هي الآن مغلولة ومقطوعة مادامت هناك إرادة بافشال العدوان والتصدي له، ومادامت هناك قوى عربية في المنطقة وفي فلسطين قادرة على الوقوف على قدميها ومقارعة الإحتلال وسياساته، وهو ماوضع نتنياهو وحكومته أمام حالة إرباك وتوتّر، جعلته يبادر لإطلاق تصريحات مستعجله، ومن موسكو : "إنَّ العملية العسكرية انتهت تماماً".
فبعد تسخينٍ كلامي، إعلامي، وسياسي، طوال الأسابيع الماضية، أطلقه العديد من قادة دولة الإحتلال، وعلى رأسهم وزير الحرب أفيجدور ليبرمان (اليهودي الموالدافي الأصل)، بتدمير دمشق وبتوجيه ضربة استراتيجية الى الجيش العربي السوري، انتهزت حكومة دولة الإحتلال اللحظات المناسبة من وجهة نظرها، حين أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب انسحابه من إتفاق (خمسة + واحد) بشأن الملف النووي الإيراني، ورأت في ذلك الإنسحاب ضوءاً أخضر مُشجعاً لها للقيام بعملية عسكرية واسعة نسبياً على سوريا تحت دعاوي "استهداف الوجود العسكري واللوجستي الإيراني في سوريا"، وذلك من خلال قيام (28) طائرة من نوع (F 15) التي اطلقت صواريخها من فوق الأراضي المحتلة في فلسطين والجولان باتجاه مواقع ومنشآت سورية في مناطق دمشق وريف دمشق (الكسوة وجديدة عرطوز وقطنا وجمرايا وقاسيون وتلول فاطمة ونواحي مطار دمشق، ومطار خلخلة...) وفق ما أوردته المصادر العسكرية السورية ووكالة سانا الرسمية للأنباء.
إذاً، لقد شجعت مواقف الإدارة الأميركية الأخيرة، واعلان الرئيس دونالد ترامب إنسحاب واشنطن من اتفاق (خمسة + واحد) على إندلاق شهية العدوان لدى "إسرائيل"، علماً بأنَّ التسخين الإعلامي "الإسرائيلي"، ومعه التصعيد العسكري باتجاه سوريا، لم يتوقف قبل المحنة السورية، وفي مساراتها الشائكة، حيث لعِبَت "إسرائيل" ومازالت تَلعب على نيران الأزمة السورية الداخلية، من خلال تدخلاتها اليومية على الأرض في مناطق الجنوب السوري بشكلٍ رئيسي، ومن خلال محاولاتها الدائمة لإبقاء النيران مشتعلة ومستعرة داخل هذا البلد العربي، خدمة لمصالحها ذات البعد الإستراتيجي والرامية لتدمير قدرات سوريا العسكرية والإقتصادية وإعادتها للعصر الحجري على حد تعبير البعض من قيادات اجهزة الأمن والمخابرات في دولة الإحتلال.
لقد أرادت حكومة نتنياهو من التصعيد العسكري الأخير ضد سوريا، تحقيق أهادف إضافية تتعلق بالداخل "الإسرائيلي"، وبالتحديد في سحب أوسع جمهور يميني باتجاهها في الانتخابات القادمة، وإشباع نزوات جمهور اليمين المتطرف، حيث أظهر استطلاع للرأي أجرته صحيفة "معاريف"، ونشرت نتائجه صباح يوم الجمعة الماضي أنَّ الوضع الأمني والانسحاب من الاتفاق الأمريكي النووي يؤثران بشكلٍ كبير على مزاج الشارع "الإسرائيلي" وخاصة قطاعات اليمين واليمين المتطرف، وبالتالي على نتائج الإنتخابات القادمة للكنيست، إذ أعطت النتائج توقعات بارتفاع تمثيل حزب الليكود الذي يقوده نتنياهو. فضلاً عن ما أكدته نتائج الإستطلاع من "أنَّ مُعظم الإسرائيليين من جمهور اليمين راضون عن طريقة تعامل حكومتهم مع مسائل الملف الإيراني"، وأنَّ "أكثر من نصفهم بقليل يتوقعون مواجهة عسكرية قريباً جداً، وأنَّ "غالبية الإسرائيليين يرون بالتصعيد عاملاً مساعداً لإقتراب هذه المواجهة". وعلى الضفة الثانية المُعارضة لسياسة نتنياهو في الشارع "الإسرائيلي" فهناك أيضاً قناعات مُتزايدة لدى قطاعات من الجمهور "الإسرائيلي" بأنَّ سياسة استخدام القوة في لحظات الدعم والإسناد السياسي الأميركي لن تجدي نفعاً، وهو مادفع بالكاتب والمحلل السياسي "الإسرائيلي" يوسي ميلمان للقول "حكومة إسرائيل تمارس القوة العسكرية وحسب. ولا توجد في هذه السياسة عناصر سياسية ولا عناصر مبتكرة. لاتوجد فيها إستراتيجية. تكتيك وحسب".
خلاصة القول، إنَّ الأمور لم تنته بـ "الغارات الإسرائيلية" التي وقعت ليلتي الأربعاء والخميس الماضيتين، وقيام القوات السورية بإطلاق صواريخ باتجاه هضبة الجولان المحتلة، لكن وبعد الرد الصاروخي السوري، أنَّ "إسرائيل" باتت على إدراكٍ تام بأنها ليست مُطلقة اليد في الساحة السورية وحتى اللبنانية، وأنَّ عليها إعادة النظر في الفرضيات التي استندت إليها في تقديراتها، فقد بدأت مرحلة جديدة من المواجهة بين سوريا ودولة الإحتلال، وأنَّ سياسة الغموض التي اتبعتها "إسرائيل" في استهدافها لمواقع داخل سوريا كما جرت العادة حين كانت "لا تؤكد ولا تنفي" قد انتهت عملياً، ولايعني هذا أنَّ الأمور ذاهبة باتجاه تصعيدٍ كبير يؤدّي الى انزلاق المنطقة الى حربٍ شاملة، فدولة الإحتلال لا تريد التدحرج اليها بمطلق الأحوال، ومصلحتها لاتدفعها لإطلاق نيران حربٍ شاملة، لأنها ببساطة ستكون حال اندلاعها مُكلفة جداً جداً بالنسبة الى "إسرائيل" على كل الصعد العسكرية، والإقتصادية، وعلى حال المجتمع "الإسرائيلي" الذي نَزَلَ سكانه الى الملاجىء في مستعمرات الجولان والشمال الفلسطيني في الجليل جراء الرشقات الصاروخية السورية في الرد السوري الأولي، فكيف الحال لو انطلقت حرب مواجهة واسعة نسبياً.