مع استفحال الأخطاء الكارثية لما يسمى بقوى المجتمع الدولي وتحديدًا الداعمة لكيان الاحتلال الإسرائيلي والمتحالفة معه استراتيجيًّا تجاه ملف الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، تستفحل معه الجرائم التي ترتكبها آلة الحرب الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، والمؤسف أنه مع هذا الاستفحال لا يبدو في الأفق ما يشي بإمكانية مراجعة هذه القوى لمواقفها تجاه هذا الملف وتجاه القضية الفلسطينية والممارسات الإسرائيلية، بل آخذة في التصعيد السياسي والتأييد لكل أشكال الإرهاب والعدوان وجرائم الحرب التي يرتكبها كيان الاحتلال الإسرائيلي، انسجامًا مع الأهواء والشعارات الكاذبة التي يبديها قادة الاحتلال الإسرائيلي لتبرير اعتداءاتهم على الشعب الفلسطيني، وللحظوة بمزيد من التأييد والدعم من حلفائهم واللذين وصلا إلى حد التواطؤ والإذعان لرغبة كيان الاحتلال الإسرائيلي الذي يستهدف القضاء المبرم على حقوق الشعب الفلسطيني، إن لم يستطع إبادة هذا الشعب بالمطلق، الأمر الذي يفضح ما ترفعه ديمقراطيات القوى الحليفة لكيان الاحتلال الإسرائيلي من شعارات رنانة وفضفاضة حول ما يتعلق بحقوق الإنسان والحريات والقيم والمبادئ الديمقراطية.
إن ما يؤسف له أن هذا المنعرج الخطير الذي تمر به القضية الفلسطينية ومصير الشعب الفلسطيني أوصل إليه الوضع العربي المتردي، فاتحًا كل ما كان موصدًا من الأبواب التي لم يقدر عليها كيان الاحتلال الإسرائيلي وحلفاؤه على فتحها أمام مخطط التصفية للقضية الفلسطينية، وإذا كان من عتب على القوى الغربية بسبب تماديها في التواطؤ وسياسة النفاق مع حليفها الاستراتيجي الذي ترى أنه رأس حربتها في تأمين مصالحها الاستعمارية في المنطقة، فإن العتب اليوم أكبر على بني جلدتنا من العرب الذين بدلوا جلودهم، وخلعوا أثواب الحق والعدل والنخوة والمروءة والشهامة والعزة والكرامة، وارتدوا أثواب الخنوع وقبلوا بأن يمتطوا متون الباطل الإسرائيلي ودعمه والدفاع عنه، بدءًا من تدمير ركائز الأمن القومي العربي، وضرب مكونات وحدة الأمتين العربية والإسلامية، وتهشيم كل آصرة تربط العرب والمسلمين ببعضهم بعضًا، وراهنوا على ملذات دنيوية رخيصة بتأييد هذا الباطل الإسرائيلي.
لذلك، لم تكن المجزرة الوحشية التي ارتكبتها آلة الحرب الإسرائيلية بحق الجموع الفلسطينية التي خرجت في مسيرات سلمية للتعبير عن مظلوميتها التاريخية، ولتذكير العالم الذي يدَّعي الحرية بحقوق الشعب الفلسطينية المغتصبة، سوى غيض من فيض جرائم آتية، ومواقف وتحركات إسرائيلية ـ أميركية ـ غربية لنهب آخر حق من حقوق الشعب الفلسطيني، فسياسة القضم التي كان يتبعها كيان الاحتلال الإسرائيلي قد تغيرت وسائلها وسرعتها بقوة التردي والانحدار الخطير اللذين أصابا الوضع العربي في مقتل، وما يؤكد ذلك، هو أن سقوط أكثر من خمسين شهيدًا فلسطينيًّا وإصابة أكثر من ألفين ومئتين آخرين يوم أمس في مسيرات الاحتجاج على قرار الولايات المتحدة نقل سفارتها إلى مدينة القدس المحتلة جراء استخدام القوة المفرط تجاه المحتجين السلميين العزل، فهذه المجزرة البشعة لم تحرك شعرة لدى قوى ما يسمى المجتمع الدولي، ولم توقظ ضميرًا متبلدًا، بل إن من هذه القوى من اكتفى بذر الرماد في العيون بالدعوة إلى ضبط النفس في استخدام الرصاص الحي ضد المدنيين العزل. والدليل الآخر على ما ذكرناه هو تبرير بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي استخدام القوة المفرطة واستهداف المحتجين السلميين عند الحدود في قطاع غزة، ما يعني أن كيان الاحتلال الإسرائيلي بات وراءه أكثر من ظهر يسنده في وحشيته ومجازره ويشجعه عليها.
لكن، وعلى الرغم من كل هذا الانحدار الأخلاقي الذي أصيب به ما يسمى المجتمع الدولي والوضع العربي، فإن الشعب الفلسطيني شعب خلَّاق في مقاومته ودفاعه عن حقوقه وأرضه وعرضه وكرامته، وهولذلك لن ينكسر أمام التواطؤ والتخاذل الدولي وبعض العربي، بل سيعطيه جرعة إضافية نحو ابتداع كل أشكال المقاومة والنضال، وبالتالي هو قادر على تغيير مجريات الأحداث لصالحه وقطع يد التمادي على حقوقه.