سبعون عامًا على ذكرى النكبة التي توافق الخامس عشر من مايو؛ التاريخ الذي شهد قطاف الثمرة الكبرى لدول الاستعمار القديم في المنطقة، بترتيب الأجواء والظروف وتسخير الإمكانات كافة لهذا الحدث الجلل باختيار أرض فلسطين العربية لتكون مرتعًا لعصابة شاذة عن الطبيعة الإنسانية والبشرية، شاذة بما تمتلكه من أنفس شريرة وخبيثة وانتقامية.
سبعون عامًا على ذكرى اغتصاب فلسطين ترسم مسارين واضحين؛ مسار للحق والعدل والمساواة والتعايش وحب الخير ويمثله الشعب الفلسطيني ومن يدعمه من الدول المحبة للسلام والوئام والكارهة لمظاهر الاحتلال وهضم حقوق الشعوب، ومسار للظلم والاحتلال والإرهاب والقتل والتآمر ويمثله كيان الاحتلال الإسرائيلي ومن يتحالف معه ويدعمه ويخدمه. فأصحاب المسار الأول يصرون على استعادة حريتهم وحقوقهم المغتصبة، وكتابة تاريخ جديد مجيد معمَّد بدمائهم، في تأكيد واضح على قوة الحق الجبارة المصحوبة بقوة الأرض التي أعطتهم الشجاعة الكافية لتعبيد طريق حريتهم واستعادة حقوقهم بدمائهم وكتل لحمهم، وهزيمة الظلم والجور، في حين يحاول ذوو مسار الباطل مواجهة قوة الحق الماثلة في الجغرافيا والمائلة إلى أصحابها الحقيقيين بكل ما أوتوا من قوة غاشمة للولوغ في الأجساد الفلسطينية العارية، في تعبير واضح عن أنهم عراة من أي سند جغرافي أو شرعي وقانوني يقوي نوازعهم في معركتهم الباطلة، فمقابلة الجسد العاري وقطع اللحم البشري الغض بالطائرات الحربية والدبابات والمدافع الرشاشة والقنابل الذكية والغبية يبين فاشيتهم وعنصريتهم، ولكنه في نفس الوقت يعبر عن يأسهم وبؤسهم وخوائهم وكذلك خوارهم.
سبعون عامًا لم يكن اختيار زمن حلولها أميركيًّا لنقل السفارة الأميركية إلى مدينة القدس المحتلة، وكذلك ارتكاب إبادة بشرية بحق المحتجين الفلسطينيين المدنيين السلميين في بضع ساعات فقط، لم يكن هذا الاختيار مصادفة أو خبط عشواء، وإنما مدروس ومختار بعناية تامة للتأكيد أميركيًّا وإسرائيليًّا على أن القضية الفلسطينية قد دخلت منعرجًا آخر غير المسار الذي كانت تسير عليه، بجلسة تفاوض هنا، ومؤتمر للسلام هناك، وأن ما يجري هو تهيئة مسرح الجريمة لاستكمال النكبة الأولى باغتصاب القدس كامل القدس، وتصفية القضية الفلسطينية، وإبعاد الشعب الفلسطيني عن أرضه من خلال إيجاد وطن أو أوطان بديلة وفق ما سميت بـ"صفقة القرن" التي سربها الإعلام وتحدث عنها وعن بعض تفاصيلها. والمؤسف، بل المؤلم أن مخططات وسياسات أعداء أمتنا وفي مقدمتهم الكيان الصهيوني ضد قضايانا ومصالحنا تجد مسارات معبدة بأفعال ومواقف عربية مبررة لهذه المخططات والسياسات المدمرة.
إن هذا الانحدار الخطير الذي تنحدر فيه المنطقة بأكملها انطلاقًا من مخطط تصفية القضية الفلسطينية يكشف جانبًا مهمًّا عن حقيقة مخططات التآمر التي استهدفت كلًّا من العراق وليبيا وتستهدف حاليًّا سوريا واليمن ـ والله أعلم الدور غدا سيكون على من ـ من خلال التناقض الفج وفائض النفاق بين ذريعة التدخل في الشؤون الداخلية لتلك الدول وهي ذريعة مساعدة شعوبها لتحقيق العدالة والمساواة وإقامة الديمقراطية، وبين إبادة الشعب الفلسطيني حاليًّا الأعزل وتبرير جريمة المجرم الإسرائيلي بما يسمى "حق الدفاع عن النفس".