[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/adelsaad.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عادل سعد[/author]”إن ما جرى انتخابيا وما رافق النتائج من اتهامات تتحمله كل الكتل السياسية, وإذا كان هناك من يعول على تخليص العراق من الإعياء السريري الذي يعاني منه فليس في اليد إلا إعلان عيوب هؤلاء السياسيين, والاستعانة بالقوانين المرعية وسيلةً لإنصاف من وقع عليهم الحيف الانتخابي, وعندها تكون الدوائر القضائية قد مارست مسؤولياتها في إقامة فرص العدل.”

كشفت وقائع الانتخابات البرلمانية العراقية التي جرت يوم الثاني عشر من هذا الشهر أن الإعياء الذي يعاني منه العراق, هو إعياء تغذيه كيانات سياسية وشخصيات عامة ومواطنون يمثلون الرأي العام العراقي, وإذا كان البعض يقول إن وراء كل مشكلة تصيب بلدا توجد مؤامرة مصنعة لمشكلة وتواصل (رعايتها) فإن من المنطق التشخيصي القول إن الإرهاق الذي يعاني منه العراق وراءه عراقيون, سواء أكانوا عملاء أو بنزعات طائفية أو مناطقية أو إثنية, ومن الخطأ الجسيم أن نستبعد المواطن من المسؤولية في ذلك.
لقد تابعت نتائج هذه الانتخابات وأزعم أنني لم أترك تصريحات لسياسيين إلا توقفت عندها بالتحليل، وخاصة ساسة حاولوا نسف كل العملية الانتخابية، وتجاوزوا في النيل منها إلى حد وصفها بالمهزلة, ومن الأسباب التي تعكزوا عليها في ذلك, التشهير بالأجهزة الإلكترونية التي تولت حركة الورقة الانتخابية من وصولها إلى صندوق الاقتراع وثم تحريكها إلى دائرة الفرز وتحديد الفائزين والخاسرين, وهنا لي أن أسأل: كيف يكون سياسي أمينا على بلده وهو يتوعده بالويل والثبور والحرب الأهلية لأن نتائج الانتخابات لا تلبي طموحه بالفوز كمجموعة سياسية وكأشخاص؟ وكيف يمكن لأكثر من فضائية تلفازية تبيع وتشتري بالمعلومات وتقيم الدنيا ولا تقعدها لأن جهازا تقنيا من أجهزة الانتخابات توقف عن العمل وأصيب بعارض عطل يمكن إصلاحه أو استبداله بجهاز آخر؟ وكيف يمكن أن نفهم أن البعض استخدم السلاح في احتكاكات وعروض مسرحية للقوة الغاشمة لمجرد أن الكيان المنافس له حصل على أصوات أكثر منه؟ وأي رأي عام عراقي هذا الذي يصف ما جرى بالكارثة ويهدد البعض باكتساح مدن ومقرات وحقائق لمجرد أن مصوتين لم يمنحوه أصواتهم؟
ليس صحيحا أن نقول إن الانتخابات البرلمانية العراقية بالنسخة الجديدة كانت نزيهة, ولم تحدث فيها خروقات تمس القيم الديمقراطية التي ينبغي أن تسود, ولكن ليس من الشرف ولا من المروءة الوطنية أن يخسر أحد فرصته، ويجعل فوزه معادلا في الربح لوجود الوطن وإلا فإنه يدعو إلى (التشاور) ولو بلغة الشتائم!
إن ما جرى انتخابيا فيضاهي انتخابات جرت في بلدان أخرى, وتصح المقارنة في عدد الذين توجهوا إلى صناديق الاقتراع, ونسبة الخرق في هذه المحطة الانتخابية أو تلك, مع ملاحظة لا بد من الاعتراف بها أن هناك مراكز انتخابية جرت فيها عمليات التصويت بدقة عالية وبدون خروقات وتحت مظلة الآليات القانونية والأخلاق السياسية واعتماد شرف المنافسة الشفافة المشروعة, ثم كيف يستقيم المنطق السياسي حين يريد الجميع الفوز ولا يتحملون الخسارة؟ وكيف تكون العملية السياسية ديمقراطية إذا لم نتخلص في العراق من سطوة الحكومات التوافقية وما تحمل من منافع متبادلة بين الفرقاء على وزن (احميني وأحميك) اشتقاقا من مفهوم الحماية الفاسدة؟ وأي عرف متخلف هذا الذي قسم المناصب الحكومية بين سني وشيعي وكردي وتركماني وايزيدي ومسيحي كلداني وأرثودوكس ومشرقي وكاكائي وشبكي وصابئي مندائي, وإلا فالاحتكام إلى (الرماح)؟ وكأن هذه التوصيفات الحصصية هي قدر العراق الذي ينبغي أن لا يخرج عنه إلى فضاء الانتماء الوطني المدني ولتذهب الكفاءة إلى الجحيم!
إن ما جرى انتخابيا وما رافق النتائج من اتهامات تتحمله كل الكتل السياسية, وإذا كان هناك من يعول على تخليص العراق من الإعياء السريري الذي يعاني منه فليس في اليد إلا إعلان عيوب هؤلاء السياسيين, والاستعانة بالقوانين المرعية وسيلةً لإنصاف من وقع عليهم الحيف الانتخابي, وعندها تكون الدوائر القضائية قد مارست مسؤولياتها في إقامة فرص العدل.