تصاحبنا حالات العزيمة وقوة الإرادة، وتتقاذفنا أمواج الفتور ووهن النفس، لسنا سوى بشر يخطئون، ولكنهم يمتلكون حق النسيان، حق العطاء، حق الحياة، حق الاستمتاع، يملكون الشفقة والحب والرحمة والإنسانية، لديهم حس الجمال وبريق الأمل، نحب ونكره، نرضى ونسخط، نعاتب ونزعل... ويبقى الود بيننا حنينا.
قد نضيع في متاهات الحياة، ونغيب في خضم الأعمال، ننسى من أحببنا، وتصبح الذكريات بيننا حياة ممتدة، نسترق منها عبير أمانينا، وعبق ماضينا الجميل، فنحن بذلك مفعمون بالأمل مغرمون بالأمنيات، حساسون إلى حد النخاع ... ويبقى اعتدالنا وتوازننا طريقنا الذي ننسج به خيوط الأمل العابر.
نتعب ونعمل، ونجتهد ونهتم، ونبادر ونسعى، نضع أنفسنا في مواقف محرجة تارة وصاخبة تارة أخرى، ومواقف معقدة لا نحسد عليها، ومع ذلك فانتظارنا محمدة، وتضجرنا شعورا استثنائيا برغبة الفرج وانفتاح نوافذ الأمل، واحساسنا بالتعب متعة، وتعاملنا مع المواقف إعداد لنا لتحمّل غيرها لتستمر قاطرة حياتنا وتسير بمرونة، لن توقف مسيرتنا الخيرة مطباتها، ما دام لنا في الحياة حياة، وفي الصدق منجاة، وفي التأمل محمدة، وفي التفرد مفخرة، وفي الانتظار بصيص نجاح قادم ... ويبقى اعترافنا بالنقص وشعورنا بالتقصير معادلة نبني بها حياتنا لقادم جميل.
قد تنسينا الأيام أمانينا، وُتلبسنا واقعها المتغير بألوانه التي قد لا تتوافق مع أمزجتنا، ومع ذلك لنتشكل في ظلها من جديد، ونلبس أنفسنا لباس الحكمة والسلام، حتما ستكون مواقف الأيام مشتركنا الذي يقربنا من الآخر، يذكرنا بقسوته أو ينسينا ابتعاده... ويبقى التأمل في المواقف طريقنا الذي يلبسنا ثوب الشموخ وعطر الصبر وبلسم التحدي ونور الوعي.
أصبحت سلبية البعض تلازمنا في كل مواقف النجاح، وتروّج لنفسها ملامح قادم مفلس للمجتهدين والمخلصين والعاملين بحسن ضمير وقوة ايمان، عبر مسوغات واهية وأحلام بائسة وممارسات خاطئة، وانتهاكات للفضيلة والقيم والمروءة والمواطنة، ينظرون لواقعهم بمقياس الربح المادي، ماذا حققت من مادة، أو كسبت من مال، أو أنظر إلى فلان فتحت له الأرزاق بدون تعب، ووصل إلى أعالي الرتب، وتبدأ تدور في النفس دوامة الشكوك والأوهام فتركن النفس إلى الوهن وترضى بالصّغار، وتقترب من الدعة، وترنو إلى الراحة، تلك دورة المفلسين والسلبيين وما أكثرهم، فهيهات هيهات من الركون إلى تجاربهم او الرضوخ لمطالبهم، او الاقتناع بالنماذج الواهية الواهمة التي يعتمدون عليها أو يسردونها... ويبقى حافزنا الذاتي استراحات نعبر بها متاهات الوهن والضعف، فلنكن لأنفسنا خير سبيل وأفضل معين لنقلها الى عالم الإيجابية والتفاؤل.
نتعرض للإساءة ونظلم بدون حق ونقهر ونُصادر في فكرنا وقناعاتنا، ونتضايق من كثير من المواقف، ونصل إلى حد السخط من أنفسنا، ليمتد حبل الثقة ليغير مجرى الحال ويبني حياتنا خيرا وسلام...ويبقى حبلنا الممدود بربنا عطاء كريما، ونورا مبينا وهو لنا موئلا ونصيرا.
قد نمتلك حظا من المعرفة، فتنهض لدينا همم النجاح، وشغف التفوق، والحصول على الجائزة، فيتخلى عنا من قدرناهم ووثقنا بهم ووضعناهم في صورة الإنجاز، لنجعل لنا في أنفسنا وطنا ننقل خلاله آمالنا وأحلامنا ونستشعر به سعادتنا حامدين لله شاكرين فضله معترفين بتقصيرنا في حقه جل علاه ... ويبقى فضل الله علينا كبيرا.
الوظيفة حلم عابر لا دوام له، ولا أمان فيه، قد يخدعك مظهرها، ويسيء إليك فخرها، فارتق بنفسك في فهم مسؤوليتك نحوها، واحملها على أنها رسالة في الحياة، أمانة ومسؤولية، تكليف وخدمة للغير، كن صاحب رسالة تنقلك لأحلامك، وتبتغي بها آمالك السامية، تسمو فيها بخصالك، وترتقي فيها عن دنيا الأحقاد والكراهية أو الإقصاء والاستهتار، فأنت بالرسالة حر، ولمسارها صاحب مبدأ، ولطريقها قدوة، لا تغتر بك فتظلم، لتكن صاحب رسالة ترى النور مدادا، وتسمو إلى الثريا فخرا، وتنهل من معين الحب والحياة نهرا .... وتبقى مسؤولياتنا الوظيفية رسالة حياة راقية، وحقائق انجاز، ورقي مشاعر وسماحة نفس ومنهل عطاء ومنبع وفاء، وإخلاص روح، ونافذة أمل وسعادة للآخرين بخدمتهم وقضاء حوائجهم.
تواجهنا حوائط الصد، وتقف في وجه نجاحاتنا عوامل التحجيم، فإنه ما من أحد يحسدك على ما أنت عليه، أو يقلل مما أنت فيه إلا ويجد فيك تفوقا لم يستطع أن يناله، أو أن يمتلك من الاستعداد لمثلك، لذلك اتبع سبيل الرشاد بسفهك عن مجاراته، وصدك عن سفاهته، وسكوتك عن قبحه، وانظر إلى الأمل الذي تراقب مداه وأنت تنقش في قلبك بيت التسامح ونور المجد وحكمة التصرف، فاجعل من نفسك مطيه الوصول إلى أهدافك ونبل قيمك وزينة حياتك، فحياتك منهل افكارك وقناعتك، فتصالح مع نفسك وابن حياتك في ظل مبدأ واحترام ذات، وصفاء نفس وضمير مسؤولية وشموخ عطاء وجدية مبادرة واستمرار عطاء، تعش بسلام وتحيا بصدق...وتبقى الحياة مطية النجاح عندما نغرس فيها مساحات الأمل ونوافذ الجمال وذوق المسؤولية واحترام المزاجيات والأذواق والنفسيات والخصوصيات.
لتهنأ لنا الحياة في وطن نحبه، نعشقه ونعزه، فهو خير من يحتضن قسوتنا، ويبني آمالنا، ويسمو برفعتنا، ويقدّر أهدافنا، ويحفظ ودنا، ويُعلي شأننا، حتى وإن تنكرت لنا الحياة أو ضاقت بنا الأمنيات أو انقطع عنا حبل البر والإحسان من البشر، ليبقى وطننا خير إنسان يلاطفنا، يسامرنا، يمنحنا الثقة في ذاتنا، يحتضن حياتنا يصبر على أذانا ويتقبل ظلمنا،.... ويبقى حب الوطن إيمانا نرتقي به الثريا هدفا، ونسمو خلاله الى المجد فخرا.
لسنا ملائكة، فأحداث واقعنا كثيرة ومواقفنا مستمرة متجددة بتجدد حياتنا، وشهر رمضان خير مدد لنا في تنقية شوائب النفس وغرس بذور الصدق وترقية نبل الخلق، لنعيش حياتنا بأمان ونسير فيها باطمئنان، ونقدم فيها المعروف، ونخلص فيها العمل، ونبني فيها الأمل، لنرسم فيها الابتسامة، ونحيي في ظلها نفوسا ماتت بسبب ضعف الارادة، وسلبية الفكر وموت الضمائر وركون الذات والاستمرار في الخطأ وغرور النفس ووهم العظمة، لندرك موقعنا، واين نريد أن نكون، وكيف نحقق أمنياتنا، حتى وان كُسرت خواطرنا أو ظُلمت أفكارنا، فإنّ حياة قامت على مبدأ، وسارت على نهج، والتزمت خلق، ورسمت ابتسامه، وأضاءت طريقا، وغيّرت قناعة،واحتضنت أسرة، وأهدت سلاما، وصنعت مجدا؛ لحري لها السعادة وحُقّ لها التكريم.

د. رجب بن علي العويسي
[email protected]