[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
على الرغم من القناعة بمصير ما ستنتهي إليه لجنة تقصي الحقائق التي شكلها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ، استنادًا إلى التجارب السابقة لأداء ونتائج هذا النوع من لجان تقصي الحقائق، فإن ما جاء من ردود فعل لكيان الاحتلال الإسرائيلي تناوبت عليها الرؤوس الشريرة والحامية والمعبأة بكل ألوان الإرهاب والكذب والتدليس يؤكد أن لا قيمة ولا اعتبار للمؤسسات الرسمية الدولية، خصوصًا حين يتعلق عملها بالصراع العربي ـ الإسرائيلي وتحديدًا بجرائم الحرب والانتهاكات الإسرائيلية. فقد كانت كافية ردات الفعل التي جاءت على لسان نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي خارجة عن الدبلوماسية واللياقة، حيث وصف نتنياهو مجلس حقوق الإنسان بأنه "منافق ومنحاز ويهدف فقط للمساس بـ"إسرائيل"، وتقديم الغطاء للإرهاب". ليعقبه ردات فعل على لسان أعضاء في حكومته في إطار سياق الوصف ذاته "بأن مجلس حقوق الإنسان ليس له صلة بحقوق الإنسان، وأنه مجلس للإرهاب، ويشجع عليه، ومكون من أغلبية معادية لـ"إسرائيل" يقودها النفاق والسخافة، وأن هدف لجنة التحقيق ليس الوصول إلى الحقيقة، بل حرمان "إسرائيل" من حقها من الدفاع عن نفسها، وشيطنة الدولة اليهودية".
لكن على الجانب الآخر ماذا لو كان مجلس حقوق الإنسان سار وفق الهوى الإسرائيلي والأميركي، وأخفق في تشكيل لجنة تحقيق بسبب موقف قوى الأكثرية المدافعة عن جرائم الاحتلال الإسرائيلي، فما الموقف الإسرائيلي حينئذ سيكون؟ ويا ترى كم حجم الإشادات التي سيتلقاها المجلس؟ وتبنى مجلس حقوق الإنسان الجمعة الماضية قرارًا بشأن "إرسال فريق دولي متخصص في جرائم الحرب إلى غزة"، بموافقة 29 دولة، وامتناع 14 دولة عن التصويت، وعارضته الولايات المتحدة الأميركية وأستراليا.
لقد كان كيان الاحتلال الإسرائيلي واضحًا في موقفه من فريق التحقيق في جرائم الحرب التي ارتكبها في قطاع غزة بأنه لن يتعاون مع الفريق، ومثل هذا الموقف قد تكرر مع بعثات تحقيق مماثلة شكلتها منظمة الأمم المتحدة في جرائم الحرب الإسرائيلية، ومنها لجنة جولدستون لتقصي الحقائق في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وقبلها لجنة تقصي الحقائق في جرائم الحرب التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في مخيم جنين. لكن من الناحية المعنوية والأخلاقية يعد قرار تشكيل لجنة تحقيق في جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين العزل في غزة انتصارًا معنويًّا للشعب الفلسطيني، بغض النظر عما ستؤول إليه نتائج التحقيق.
إن ما ارتكبته آلة الحرب الإسرائيلية من مجزرة وحشية بحق الشعب الفلسطيني الأعزل في الذكرى السبعين ليوم النكبة إلى جانب العدوان المتكرر على سوريا، وما سبق ذلك من تدمير بحق العراق وليبيا واليمن يثبت أن المنطقة واقعة تحت سطوة نازية جديدة ولكن بهوية إسرائيلية، والأخطر في هذه النازية الجديدة هو أنها تختلف عن النازية الآرية من حيث حالة الدعم والمواجهة؛ فالنازية الآرية لقيت قوى عديدة من بينها قوى كبرى في التصدي لها ومواجهتها حتى هزيمتها، في حين النازية الإسرائيلية الجديدة تحظى اليوم بدعم واسع وكبير من قبل قوى ما يسمى بـ"المجتمع الدولي"، والأنكى والأشد مرارة وإيلامًا هو أن عددًا كبيرًا من دول المنطقة ومن المحسوبة على العروبة والإسلام باتت في صف النازية الإسرائيلية الجديدة، وما كان للمنطقة وللقضية الفلسطينية على وجه التحديد أن تنحدر إلى هذا المنعرج الأخطر في تاريخها لولا حجم التأييد الأميركي ـ الغربي لكل أشكال جرائم الحرب الإسرائيلية، والمحمول على متون التطبيع العربي المجاني المتدثر كذبًا وزورًا بثوب العداء الإيراني لدول المنطقة والتدخل الإيراني في شؤونها، في تسخيف واضح للوعي العربي ـ الإسلامي، وضحك على الذقون، وتسطيح للمفاهيم المتكئة على ثوابت الجغرافيا والتاريخ، ومحاولة واضحة لنحر الحق بسيف الباطل، والدليل على ذلك أن لا مجال للمصادفة بأن يأتي تحديد تاريخ نقل السفارة الأميركية إلى مدينة القدس المحتلة متزامنًا مع الذكرى السبعين ليوم النكبة الفلسطينية ويقدم للحدث قربان فلسطيني بنحر ستين شهيدًا وجرح ألفين ونصف فلسطيني، ويعزز ذلك ما بدا على سطح الطاولة من تأييد عربي سانِدٍ للتأييد الأميركي ـ الغربي لكل ما ارتكبه ويرتكبه كيان الاحتلال الإسرائيلي من مجازر وحشية، ومن تحركات استعمارية استيطانية، فكيف بما كان تحت الطاولة ووراء الكواليس؟
مندوبة كيان الاحتلال الإسرائيلي في مجلس حقوق الإنسان في معرض تنصلها من المسؤولية القانونية بشأن ما ارتكبته آلة الحرب الإسرائيلية من مجزرة بحق المدنيين الفلسطينيين العزل، ادعت بأن "إسرائيل انفصلت عن غزة من طرف واحد، ومقولة غزة محتلة هي خرافة".. وهذا يعني أن الانسحاب الإسرائيلي من غزة هدفه ليس سوى تكريس الانقسام الذي خطط له ودفع إليه كيان الاحتلال الإسرائيلي، ولإطباق الحصار على القطاع بهدف القضاء على ما يقارب مليوني فلسطيني بحرمانهم من الغذاء والدواء والماء والكهرباء، وكأن كيان الاحتلال الإسرائيلي يريد أن يقول للعالم إنه غير معني بوضع قطاع غزة، وإنه غير مسؤول عنه بعدم تبعيته الاحتلال ليخلي نفسه من مسؤولية المعاهدات الدولية ذات العلاقة، وهذا ما يؤكد ما رددناه مرارًا وتكرارًا أن هذا هو الهدف من انسحاب كيان الاحتلال الإسرائيلي، بالإضافة إلى فاعلية الضربات الموجعة التي كانت تتلقاها المستعمرات الاستيطانية المجاورة لقطاع غزة والتي توجهها فصائل المقاومة من القطاع.

[email protected]