[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/aliaklahersan.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]علي عقلة عرسان[/author]
” إن المطلوب هو يقظة وتحرك ووعي نشط، من دول وشعوب وجهات مسؤولة قادرة على التأثير والتنوير، وعلى التأثير الإيجابي في وطننا العربي، وعالمنا الإسلامي.. تعمل كلها بإخلاص للجم الفتنة، وتصفية بعض الأجواء بين "الأخوة -الأعداء"، ووضع القادة والجهات المؤثرة في الأمتين، أمام ما يتم التخطيط والحشد له، وأمام الواجب الوطني والقومي، الأخلاقي والإنساني..”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مهما بحثت في تاريخ الحرب والسلم، وفي تاريخ الصراعات والنزاعات، فلن تجد أحطَّ ولا أوقح ولا أكذب، من "صهاينة، إسرائيليين وأميركيين"، يسفكون دم الإنسان بعدوانية واستمتاع، ويستهينون بحياة البشر وبحقوقهم وحرياتهم، ويهددون الدول والشعوب ويبتزونها، وينهبون ثرواتها، ويثيرون الحروب لترويج السلاح، والفتن لتدمير الشعوب، ويستثمرون في الإرهاب ويمارسونه.. ويدَّعون، في الوقت ذاته، أنهم يدافعون عن الحياة والحقوق والحريات، وعن الأمن والسلم الدوليين، ويصنفون الدول في محاور خير وشر،"هم الخير وغيرهم الشر؟!"، ويدعون أنهم يحاربون الإرهاب والتطرف ومَن ينشر التوتر ويغذيه، ويقولون إنهم "ديمقراطيات"وحيدة، أو شبه وحيدة، ومعصومة من الخطأ؟! إلى آخر ذلك من ادعاءات تكذبها ممارساتهم والوقائع.. وهم، في حقيقة ما يفعلون ويستبيحون، أفسد الخلق، وأشدهم خطراً على حياة الإنسان وحقوقه، وعلى الأمن والسلم والعدل والقانون، وأكثرهم الناس كذباً وافتراداً وإجراماً.. والديمقراطية التي يمارسونها فاسدة، تكرس العنصرية، وهي محكومة بالمال السياسي، وبمصالح منتجي السلاح، والمتاجرين بالحروب، وبالدم البشري، وبغير ذلك من البضائع، السياسية وغير السياسية، التي تهدد الآخرين. وديمقراطية "إسرائيل"بالذات، تمارس أبشع أنواع التمييز، وبأقذر الأساليب، فالعرب فيها مواطنون من الدرجة الرابعة، وتُسنّ ضدهم قوانين، والعدل وتنفيذ الأحكام، بيد الإرهابيين والمتطرفين من أمثال نتنياهو وشكيد وبينيت وليبرمان وأمثالهم من العنصريين.. وتجسد فساداً سياسياً في الحكم، قد يكون أفسد أنواع الحكم الديمقراطي في العالم.
ومهما بحثت فلن تجد تزويراً فاضحاً، يتلطى في زواريب الموضوعية والمنهج، ويسدل على نفسه مسوحهما، ويشمخ برأسه من دون حياء، كتزوير المسؤولين والباحثين الصهاينة عامة، والإسرائيليين منهم خاصة، للحقائق والوقائع، ولمفاهيم الحق والعدل، والمسؤولية الأخلاقية والإنسانية؟!إنهم اليوم، يحملون المقاوَمة الفلسطينية في غزة، مسؤولية ما قام به جيشهم، جيش الذبح الإسرائيلي، المجرد من الأخلاق والقيم، من مجازر، ومن فتك بالفلسطينيين العُزَّل، على حدود الحصار القتَّال، لمليوني فلسطيني في غزة، منذ أحد عشر عاماً، وإزهاقهم لأرواح الأبرياء، وإلحاقهم إصابات وجراحاً متنوعة بأكثر من عشرة آلاف فلسطيني خلال شهرين، وارتكابهم مذبحة يوم ١٤ مايو/أيار ٢٠١٨.. والأدهى الأمر، احتجاجهم على من يطالب بتحقيق مستقل بتلك الجرائم، ومطالبتهم بمحاكمة ضحاياهم بدلاً من محاكمتهم هم، القَتَلة الذين تصدوا للمتظاهرين العزَّل، بالرصاص الحي، ومدافع الدبابات، وبالمروحيات الحربية،؟!ويعلنون بوقاحة متناهية، نجاح جيشهم المدجج بكل أنواع الأسلحة، وبعقيدة القتل والكراهية، في الدفاع عن نفسه وعن "الدولة"، وانتصارهم على مدنيين لا يحملون أي سلاح، خرجوا للتعبير عن معاناتهم المُرة، ومن أجل حقوقهم المستَلبة في وطنهم التاريخي فلسطين، واحتجاجاً على انتهاك مقدساتهم وتدنيسها، وللفت نظر العالم، إلى حقيقة ما هم فيه من مآسٍ؟!
بعد أن منعوا مجلس الأمن الدولي من تشكيل لجنة تحقيق مستقلة، بجريمتهم البشعة على حدود غزة، بالفيتو العبثي للسيد ترامب وإدارته العنصرية، يحتجون اليوم على مجلس حقوق الإنسان الذي قرر تشكيل لجنة تحقيق مستقلة، لتحقق بتلك الجريمة، ويتهمونه بالوقوف ضد دولتهم "دولة الإرهاب، إسرائيل"، حيث قالوا، ويقولون:"إن القرار ”أثبت مرة أخرى أن المجلس منظمة ذات أغلبية معادية تلقائيا لإسرائيل، ولها اليد العليا في النفاق والعبث".. و"ترى الخارجية الإسرائيلية أن نتائج مثل هذا التحقيق معروفة بشكل مسبق، وتهدف إلى منع إسرائيل من ممارسة حقها في الدفاع عن نفسها، وتشويه صورة الدولة اليهودية."؟! ويتهمون المجلس أيضاً بـ "اللاسامية"، تلك البضاعة السياسية الأكثر من فاسدة، بأيدي فاسدين، يستعملونها لإخافة بعض "المذعورين"أصلاً، وللتخلص من المُساءلة القانونية، ومن المسؤولية الأخلاقية عن جرائمهم، وذريعة لتدخل صهيونية -عنصري -غربي، بشؤون من يطلقون عليهم تلك "الوصفة الفاسدة".
امس، الثلاثاء، الثاني والعشرون من أيار/مايو، استدعت، ما تُسمَّى وزارة الخارجية في تل أبيب، سفيري إسبانيا وسلوفينيا، وغداً دور الاستدعاء لسفير بلجيكا، لأن هذه الدول الأوروبية الثلاث صوتت لصالح قرار تشكيل لجنة تحقيق مستقلة، تحقق با الجريمة، في مجلس حقوق الإنسان.. وهذا، بنظر الدولة الخارجة على القانون "إسرائيل"، وبنظر حاميها الأميركي، يستحق الاحتجاج، بل ربما التوبيخ؟! ولا نعرف كيف سيكون رد فعل دول تلك الدول المستقلة، على التدخل "الإسرائيلي"الوقح، في قرارها السيادي، ولا رد فعل موغوريني، باسم الاتحاد الأوروبي، على هذه الوقاحة؟!
وقبل ذلك بأيام، قام "كيان الإرهاب، إسرائيل"، بتوجيه اتهامات وإساءات لتركيا ورئيسها، لأن الأخيرة، سمَّت الأشياء بمسمياتها، بمسؤولي أخلاقية، من دون خوف أو تخاذل، وقالت إن "إسرائيل"ارتكبت مذبحة، وأنها "دولة إرهاب، وتمارس إرهاب الدولة".. وهذا الذي وصفت به تركيا "الكيان الصهيوني"، هو الحقيقة وعين الصواب، وما ينبغي أن يرتفع به صوت كثير من الدول والمؤسسات والشخصيات الحرة في العالم.. وما قامت به تركيا من طرد لسفير تل أبيب، ومن سحب لسفيرها من تل أبيب، هي وجنوب إفريقيا، احتجاجاً على نقل سفارة ترامب إلى القدس، المدينة العربية الفلسطينية، تاريخياً وإلى الأبد، هو ما يجب أن تفعله كل دولة عارضت نقل السفارة الأميركية إلى القدس، لأن ذلك الفعل الذي قام به الصهيوني ترامب، فعل غير مسؤول، وغير قانوني، ومخالف لقرارات مجلس الأمن الدولي حول موضوع القدس وقضية فلسطين، ويشكل خرقاً فاضحاً للشرعية الدولية، ويتسبب في مضاعفة غير مسؤولة، وربما متعمَّدَة، لتصعيد التوتر في المنطقة.. فضلاً عن أنه مناصرة وقحة وفاضحة، من الإدارة الأميركية، لـ "إسرائيل"العنصرية العدوانية المحتلة، على حساب الشعب الفلسطيني الضحية للصهيونية منذ سبعين سنة، وصاحب القضية العادلة، المهمشة عن قصد وتعمّد، في مجلس الأمن الدولي، بفعل سياسات التواطؤ والتآمر التي تمارسها بعض الدول صاحبة النفوذ.
وعلى صعيد آخر، سياسي ودبلوماسي، موازٍ للاحتجاج الكلامي الكثير الكبير، على نقل سفارة ترامب للقدس.. ينبغي أن تتخذ الدول العربية والإسلامية، المَعنية أكثر من سواها بهذا الموضوع، والمسؤولة بدرجات عن قضية فلسطين، والملتزمة بمناصرة، وبحق الشعب الفلسطيني في وطنه فلسطين، وعاصمته القدس.. ينبغي أن تتخذ خطوات عملية، تنفيذاً لقراراتها، ولبيانات قممها، العربية والإسلامية، وتأكيداً لهيبتها ومكانتها وجديتها.. وذلك بأن يكون لها موقف فاعل ومؤثر، ورد عملي، على الدول التي تحذوا حذوَ الولايات المتحدة الأميركية، وتنقل سفاراتها من تل أبيب إلى القدس.. وذلك بسحب سفرائها من تلك الدول، أو استدعائهم للتشاور على الأقل، وفي أضعف الإيِمان، وربما بمواقف وأفعال أخرى تتصل بالمصالح المتبادلة.. لكي تكون هناك مصداقية للقمم والقرارات والبيانات التي تتخذها مؤسسات سياسية عالية المُستوى، ولكي تكون هناك حسابات تجريها الدول التي تفكر، بنقل سفاراتها إلى القدس، أو تقوم بذلك.. فتوازن بين مواقف ومواقف، خسائر وأرباح، مصالح ومصالح.. كما هو الحال في عالم السياسة، الذي هو كما يقول الساسة أنفسهم، عالم مصالح. وليس عالم أخلاق ومبادئ وقيم.؟!
في الأيام الثلاثة الماضية، نقلت كل من غواتيمالا وبورغواي سفارتيها إلى القدس.. وهناك من يعمل الصهاينة في كيان الإرهاب "إسرائيل"، وفي الولايات المتحدة، على جعلهم يفعلون ذلك، من خلال الترغيب والترهيب، وهكذا قد تنقل دول أخرى سفاراتها إلى القدس، غير مهتمة بمخالفة قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، ما دام هناك من يحميها ويشجعها على ذلك، لا سيما الدولة العُظمى المستهترة بالقرارات والمعاهدات والاتفاقيات والقرارات الدولية، دولة ترامب.. وإذا لم يكن لنا موقف مؤثر من كل ذلك، فإن ما قام به ترامب سيصبح جرباً تنتشر عدواه في كثير من دول العالم. فهل ذلك يصب في مصلحتنا، أو في مصلحة العدالة، وقرارات الأمم المتحدة، على مختلف الهيئات والمستويات؟!
من المؤكد أن الأمر ليس كذلك، ومن المؤكد أيضاً أن الانقسام في الوطن العربي، ومثله الانقسام في العالم الإسلامي، يفعلان فعل الحُمى الخبيثة في إضعاف جسميهما، ومنعهما من التحرك والتصرف بمسؤولية، وبسلامة تفكير وتدبير، وصحة عامة تحفظ المصالح الناس والعامة. وهنا نقف على مكامن الداء، ومداخل الاستشفاء. ومن أهم مكامن الداء، في هذا الشأن على الأقل، ما يبدو في ظاهره الرحمة وفي باطنه العذاب، ومنه، بل وأساس بيئته الفتنة الدائرة عواصفها بين دول عربية وإسلامية، تلك التي خلقت، وتخلق بيئة تنموا فيها الفطور السامة وتتكاثر بصورة سرطانية.. ومن ثم توجب التبعية والولاد، طلباً للاستقواء والانتصار.ومن ذلك الولاء المُعلَن المكشوف، لدول عربية وإسلامية، للولايات المتحدة الأميركية، التي تقدم المصالح والمطالب الإسرائيلية على مصالحها ومطالبها.. وهنا نقف عند مفصل من مفاصل الأحداث، بل عند مفصل المفاصل، الذي يجعل دولاً تبطن ما لا تُعلن، أو تعلن تحالفاً مع العدو الصهيوني ذاته، أو تتكلم عن مصلحة في ذلك الذي ترى أن يكون.. ومن شأن هذا لا أن ينشر الشك، ويضعف الثقة فقط، بل أن يشق الصف، ويقيم منا جبهات مواجهات بالحديد والنار.. ومن ثم، ومن باب تحصيل الحاصل، يتم تعطيل القرارات وإبطال المبادرات البناءة، بل ومن شأنه أن يجعل الدول والقوى والإمكانيات، العربية والإسلامية، التي يمكن أن تشكل جبهة قوية، أو يُفتَرَض فيها أن تشكل جبهة واحدة قوية.. يجعلها تدمر قدراتها ذاتياً، وتفتح الطريق، بإرادة منها ووعي أو من دون إرادة ووعي، أمام تقدم العدو الصهيوني -الأميركي نحو أهدافه، التي على رأسها إضعاف الأمتين العربية والإسلامية، والنيل من القومية العربية والدين/الإسلام.. ونهب ثرواتهما، وتمزيقهما، وجعلهما تتبادلان كؤوس الردى، والتدمير الشامل، في حرب قذرة، يحركها تجار السلاح والدم، أعداء الأمتين، فيحققون أهدافهم كافة.. ومن ثم يجعل هذا دول العالم الأخرى، لا تقيم وزناً لمؤسسات وقرارات وخطابات ودول عربية وإسلامية، ولا لحقوقها وقضاياها، وتدمير قدراتها، ولا لمعاناة شعوبها، وهي تتعرض للكوارث والمذابح وأنواع العدوان والإبادة.
إدارة "ترامب -نتنياهو"، العنصرية بامتياز، تستكمل تشكيل قياداتها الظلامية العدوانية، وتستقطب أشخاصاً على غرار تلك الشخصيات التي وقفت وراء الحرب العدوانية على العراق عام ٢٠٠٣. وحين نستعرض وجوهاً جديدة مثل بولتون، وبومبيو، وهاسبن، وغيرهم، بإدارة "ترامب -نتنياهو".. تتضح لنا بعض معالم المشاهد المرعبة القادمة.
إن هذه الإدارة تضع خططها، وتستكمل تحالفاتها، وتعلن مواقف وأهدافاً وشروطاً ومطالب.. وتعزز قواعدها، ووجودها العسكري، وقدراتها القتالية، ليس في البحر الأبيض المتوسط، وسورية، والعراق، ودول عربية منها دول الخليج العربي فقط، بل وفي أماكن أخرى مؤثرة في المنطقة.. ويبدو أنها تتوجه نحو حرب أوسع من هذه المستمرة حرائقها الآن، في بلدان عربية وإسلامية.. وهذا هو موسم "إسرائيل الصهيونية"الأمثل، التي كان لها مثله في الحرب التي دمرت العراق، وأشعلت النار في أقطار عربية لاحقاً، بالإرهاب المنظم والتدخل باسم محاربته.. فقد قامت تلك العفونة "إسرائيل"، بتسميم مخابراتي لجهات مطلوب تسميمها، تماماً كما فعلت في موضوع الحرب على العراق، حيث كانت وراء كل ذلك التسميم الذي أدى إلى الكارثة الكبرى.
إن المطلوب هو يقظة وتحرك ووعي نشط، من دول وشعوب وجهات مسؤولة قادرة على التأثير والتنوير، وعلى التأثير الإيجابي في وطننا العربي، وعالمنا الإسلامي.. تعمل كلها بإخلاص للجم الفتنة، وتصفية بعض الأجواء بين "الأخوة -الأعداء"، ووضع القادة والجهات المؤثرة في الأمتين، أمام ما يتم التخطيط والحشد له، وأمام الواجب الوطني والقومي، الأخلاقي والإنساني.. الذي يستدعي عملاً مسؤولاً على كل المستويات، يضع حداً للانهيار، ويمنع حدوث مزيد من الكوارث، ويوجه الجهد نحو القضايا الرئيسة، ولخدمة المصالح العليا، ويضع المتنافسين على "سَدانة الدين والحرص على جوهره وسماحته وقيمه، أمام حقيقة أن الدين حياة، وأنه يحفظ الأحياء ويهديهم ويرشدهم في مسالك الحياة، ليكونوا أنقى وأسعد وأبقى، وأنه حياة وليس موتاً، وهو للأحياء وليس للأموات، ويوجه الأنظار والعقول والإرادات والجهود والإمكانيات، نحو أعداء الحياة المستهينين بحياة البشر. وأن الجهد الأول، في وضعنا اليوم، يجب أن ينصب على إنقاذ أمتينا من المهالك، وتجنيبهما الحروب والكوارث.. وأن يوجَّه نحو كيان الإرهاب الصهيوني العنصري، نحو الاحتلال، نحو الصهاينة والمتصهينين، والمعادين لأمتينا ولديننا بغير حق.. وضد كل مَن يؤسس للحرب والدمار وشقاء الإنسان، ويهدد السلم والأمن والعدل والحرية، في عالمنا المنكوب بالعنصرية وشرورها، والمُهدَّد بعدوانية القوة العمياء وأطماعها.. وضد كل من لا يهتم بالعدل والحق، ولا بمصير الإنسان، ولا بالقيم والأخلاق ودورهما في نمو الحضارة البشرية وتقدمها.