[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author] انتبه البعض ولم ينتبه آخرون إلى الكلمة الاثيرية التي قالها الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر من أن " الآلام العظيمة تبني الأمم العظيمة"، كان ذلك وهو يشرح للشعب المصري والعرب والعالم عن سبب تقديم استقالته اثر هزيمة يونيو 1967 .
أثبتت الجملة تلك وكل تواريخ الشعوب والأمم، أن لابد من آلام، باعتبارها المحك الفعلي لقدرتها على الاستمرار. تظهر قوة حياة تلك الأمم والشعوب في المصائب والمصاعب .. الهدوء في حياتها لايؤشر إلى قدرة على الصمود اذا ماتغيرت الحال نحو السيئ أو الأسوأ.
في سوريا اختبر الشعب السوري قوته خلال الحرب المجنونة التي شنت ولا تزال تشن عليه، بل إن النظام اختبر أيضا، فكانت النتيجة هي مانراها .. ومثلما هنالك المناعة في جسم الإنسان، فللدول مناعتها أيضا، كيف بنيت وعلى ماذا تقوم، وماهي مقوماتها وماهو السر الخفي في قوتها، وحالة الشعب، الذي لابد أنه عاش المفاجأة في بداية المؤامرة لكنه تأهب لردها وصدها، وما جيشه سوى انه من أبنائه البررة.
أعطي سوريا دائما النموذج في كتاباتي لأني مؤمن إلى أن هذا القطر المتعافي في جذوره هو الذي صنع له الاستمرار في حربه على الإرهاب .. صحيح أن التحالفات الحالية لعبت دورها، لكن الأساس هي سوريا كمعادلة إثبات ذات قبل اي علاقة مع الخارج.
كثيرون لايعرفون عن سوريا سوى أنها قطر عربي وكفى .. أهل التاريخ يلمون بما آلت إليه في تاريخها وما أصابته وماذا تشكل جغرافيا، وهل هذه هي سوريا في الفهم الجغرافي.
من المؤسف ان الناس لاتنتبه إلى الماضي، لاتفتح ذاكرتها على الحقائق التي قامت عليها الدول والأنظمة، وعلى مكونات الأرض حين سكنتها الشعوب وتوالدت وبنت لنفسها اماكن صارت أوطانا .. الانسان بطبعه ابن تحصيل الحاصل كما يقال .. يتعايش على مايراه وعلى ماتربى عليه وعلى مانضج في شخصه أثناء مسيرة حياته .. لا أريد هنا مثلا القول، إن الكثير من العائلات اللبنانية هي من اصول سورية اذا رحنا إلى الشكل الحالي للجغرافيا .. لاأريد تعداد أسماء تلك العائلات التي تعرف تاريخها وإنها جاءت الى لبنان لأسباب ومسببات. ثم أن هنالك في الوطن العربي الكثير من الهجرات العربية فيما بين اقطار العرب، أول رئيس للوزراء في الأردن المعاصر كان اللبناني رشيد طليع، وأول صحيفة في مصر هي " الأهرام " اسسها لبنانيان ، بل إن دار " الهلال " المصرية اسسها أيضا اللبناني جرجي زيدان .. كانت الهجرات العربية وكأنها داخل جغرافية واحدة هكذا شعر الأوائل الذين ذهبوا في اتجاهات مختلفة من الأرض العربية، لنقرأ مثلا أمين الريحاني في كتبه عن العرب .. اذ لم يكن هنالك إحساس أو طرف إحساس بأنه خارج حدوده التي ولد فيها وترعرع.
نعود إلى عبد الناصر، إلى الألم الذي أشاطر فيه الشاعر الكبير ادونيس الذي أكد ان الحروب في العالم العربي لم تتوقف أبدا .. قال لي مؤرخ كان يحضر لدراسات ذات أهمية، افتح صفحات التاريخ العربي لن تجد صفحة بدون قتلى وصراعات ومواقف عدائية وغيره ..
لكأنما ولدت هذه المنطقة في قلب الألم، بل انه صنعها، ولولاه لما عاشت على مايبدو، بل لولاه لم تحدت وظلت مواكبة لما يجري ، بل عاشت في فترات ما متحدية ولها نفوذها وقوتها وحضورها .. تلك هي مقاصد عبد الناصر إذن.