لا يخلو أي عصر من تحديات في العديد من المجالات، وتتنوع وتكثر أو تقل هذه التحديات تبعًا لطبيعة حياة الناس التي في العادة هي من تفرض هذه التحديات، ومن المؤكد أن عصرنا الحاضر يختلف عما سبقه من العصور من حيث حجم هذه التحديات وكذلك المستجدات؛ فعصرنا هذا أخذ يفرض إيقاعه على حياة الناس بقوة ما يشهده من نهضة متسارعة في شتى المجالات، ما يتطلب تحركًا عاجلًا لمواكبة هذا الإيقاع والولوج إلى تفاصيله ليتسنى التغلب على تحدياته التي إن تركت لا شك أنها ستتراكم.
ونظرًا للنهضة العلمية التي يشهدها هذا العصر في جميع المجالات الطبية والتقنية والاقتصادية والصناعية والزراعية والعسكرية وغيرها، وما يصاحبها من اختراعات وابتكارات، فإن الانتقال السريع إلى تطوير منظومة التعليم لمواكبة كل ذلك، والوفاء بحاجات سوق العمل أصبح مطلبًا ملحًّا ولا بد منه، خصوصًا في ظل الطفرة السكانية وارتفاع المخرجات التعليمية وبالتالي ارتفاع نسبة الباحثين عن عمل في البلاد، فتطوير التعليم يجب أن يتعدى تطوير المنهج ووسائل تدريسه، لبناء أجيال متعلمة ومؤهلة ومدربة قادرة على قيادة قاطر التنمية، وتبوؤ مواقعها المناسبة في سوق العمل.
ومقترح "تطوير منظومة التدريب على رأس التعليم" الذي ناقشه مكتب مجلس الدولة أمس الأول والذي ترغب لجنة التعليم والبحوث بالمجلس في دراسته يعد شكلًا من أشكال التطوير والذي يسعى إلى نقل وضع التعليم بالسلطنة من وضعه التلقيني والنظري إلى وضع أفضل من شأنه أن يربط الطالب بالمادة العلمية نظريًّا وتطبيقيًّا بصورة أكبر، فكما هو معروف أن التطبيق العملي والتدريب يعد الوسيلة الأنجع في ترسيخ المعلومات لدى المتعلم، بحيث يصبح ما تلقاه من علوم ممارسة عملية، فضلًا عن أن هذه الممارسة هي التي تقود دائمًا إلى الابتكار والإبداع والاختراع؛ لأنها تصبح أفكارًا عملية تقود إلى أفكار عملية أخرى وهكذا ، بعكس الجانب النظري الذي تظل المعلومات حاضرة في ذهن المتعلم لفترة ثم سرعان ما ينساها ، أو ربما ينساها بعد خروجه من الامتحان مباشرة ؛ حيث المشكل هنا أنه عادة ما يقع في تصور الكثير من الطلاب أن حفظ المعلومة وفهمها هو من أجل الامتحان والنجاح فيه، إلا أنه حين يتم إعداد الطلاب إعدادًا علميًّا وتأهيليًّا وتدريبيًّا، ويتم تهيئتهم وفق تخصصاتهم وما يكتسبونه من علوم ومعارف ويطبقونه تطبيقًا عمليًّا في مؤسسات حكومية أو خاصة سيصبحون حينئذ قادرين على الاعتماد على أنفسهم والقيام بمبادرات فردية وتأسيس مؤسسات صغيرة ومتوسطة، ولديهم الإمكانات التي تؤهلهم لشغل وظائفهم ومهنهم في المؤسسات الحكومية والخاصة.
إن مقترح "تطوير منظومة التدريب على رأس التعليم" خطوة جيدة؛ ذلك أن التدريب سيبني الثقة في أنفس أجيالنا، وينمي لديهم الدافعية، إلى جانب ما يهدف إليه من تشخيص الواقع الحالي المرتبط بدور التعليم في إكساب المتعلم المهارات العملية اللازمة له للانخراط في سوق العمل، وصياغة رؤية أكثر وضوحًا لربط التعليم النظري بالجوانب التطبيقية العملية بما يكفل ضمانًا أكبر لتحقيق الرسالة الفعلية للتعليم. كما أن مقترح الدراسة هذا هو جهد يمكن أن يستمد تطوره واندفاعه أيضًا من خلال التنسيق مع خبرات الآخرين في عمل تكاملي وتعاوني يصب في خدمة المجتمع وقطاع التعليم على وجه الخصوص، وهنا يأتي دور القطاع الخاص لكونه المعني بصورة أكبر بالكفاءات والكفايات التعليمية والعلمية، لسد حاجاته، ولما يملكه من خبرة أكبر في مجالات عمله، وكيفية الوفاء بها.