[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/adelsaad.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عادل سعد[/author]
إن كل هذه التحديات لا بد أن تضع الريع النفطي ضمن متوالية لا تحكمها توقيتات من الارتفاع والانخفاض, وربما الانقطاع ولذلك فإن من حسن تدبير الدول المعنية بهذه التداعيات والتحديات أن تنتبه إلى أوضاعها الاقتصادية بالمزيد من الفطنة والترشيد والحفاظ على الضمانات الذاتية.

هل غطى الارتفاع الجديد النسبي في أسعار النفط على بعض ملامح الانكشاف الاقتصادي الذي ضرب بلدان مصدرة للطاقة الأحفورية؟
إن الظرف المحرك لهذا السؤال, تراجع الحديث عن مخاطر الانكماش التنموي والمراجعات المطلوبة على إيقاع زعم أن الريع النفطي الجديد يوفر ضمانة أكيدة لمنع الدخول مجددا في هذا الانكشاف الذي كان يترتب عليه ذيول أزمات في المصادر المالية التشغيلية, وفي تلبية المتطلبات الاستهلاكية, والاضطرار إلى استخدام المدخرات لتسديد النقص الحاصل في السيولة اللازمة لإدامة متوالية التسوق, وبالتالي الارتفاع في معدلات التضخم وما يرافقها من تذبذب في أسعار العملات المستخدمة وتصعيد فرص المضاربة غير المحسوبة, وهكذا وإزاء ذلك وفي كل الأحوال لا يمكن التعويل على إيرادات السوق النفطية الحالية, فالارتفاعات الجديدة بأسعار النفط ليست مجالا للاطمئنان حتى في أقصر التوقيتات إذا أخذنا جملة من المستجدات في مقدمتها هامش الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي مع إيران وقائمة الإملاءات الأميركية الاثني عشر التي طرحها وزير الخارجية مايك بومبيو كشروط على طهران لتنفيذها، وإلا فإنها ستتعرض لعقوبات اقتصادية غير مسبوقة, ما أدى إلى تعليق الموقف العام في منطقة الشرق الأوسط ضمن احتمالات لا يمكن التكهن بها خاصة مع الانفلات الأميركي في محاولة فرض وصايتها الدولية والمفاجآت التي يمكن أن تحصل استباقا للقاء المرتقب بين ترامب والرئيس الكوري الشمالي كيم جونج أون, والموقف الأوروبي من جراء سياسة واشنطن الحالية التي أدت بشكل أو بآخر إلى محاصرة دول الاتحاد الأوروبي بموقفين لا ثالث لهما إما أن تكون هذه الدول مع سياسة واشنطن التشددية الجديدة, أو أنها ستتلقى ثمن (تعرجها) عن المسطرة الأميركية عموما ثم من يضمن أن لا تكون هناك تداعيات شرق أوسطية مؤلمة لنقل السفارة الأميركية في إسرائيل إلى القدس.
إن كل هذه التحديات لا بد أن تضع الريع النفطي ضمن متوالية لا تحكمها توقيتات من الارتفاع والانخفاض, وربما الانقطاع ولذلك فإن من حسن تدبير الدول المعنية بهذه التداعيات والتحديات أن تنتبه إلى أوضاعها الاقتصادية بالمزيد من الفطنة والترشيد والحفاظ على الضمانات الذاتية.
ليست من إمكانياتي أن أضع دفتر شروط حسابية دقيقة مع الحالة الجديدة الكامنة بارتفاع سعر النفط, وكيفية تعاطي الحكومات والمواطنين معها, لأن ذلك من مقتضيات عمل النخب المسؤولة عن الموازنات الاقتصادية العامة التي ينبغي أن تحكم الإفادة من الريع النفطي, ولكن من الدراية أن أشير إلى أولويات التعاطي بما تتيح للحكومات القدرة على سد الثغرات التمويلية التي شهدتها موازنات عامة بعد الهبوط (الاضطراري) لأسعار النفط, والعودة إلى إعطاء حصة وازنة لتسديد بعض الديون العامة لأن تأجيلها يحتم على المقترضين إعادة جدولتها ودفع فوائد إضافية عنها, إذا لم يتم تسديدها ضمن سقوف مواعيد تم الاتفاق عليها, ولنا في الإجراءات التي اتخذتها الجزائر قبل عدة سنوات ما يجعلها نموذجا للاقتداء فقد لجأت الحكومة الجزائرية آنذاك إلى تسديد أغلب ديونها قبل مواعيد تسديدها ونجحت في تقليص (نفقات) تلك الديون, أما على صعيد مسؤولية المواطنين فإن انفراط منهجهم الترشيدي من خلال (الاستئناس) الاستهلاكي للزيادات الجديدة الحاصلة في أسعار النفط على (أمل) أن الريع النفطي يحسن أحوالهم, إنما يضعهم أمام نزعة استهلاكية جديدة ليست في صالح أوطانهم, أنا هنا لا أدعو إلى تعلم شد الأحزمة على البطون دائما, ولكن علينا أن نتعلم كيف نساعد أوطاننا على مواجهة أزماتها الاقتصادية مع حقيقة أن الترشيد يصنع قوة مهمة في مواجهة الأزمات ويمثل تدويرا حيا لذاكرة الاقتصاد بالاتجاه الذي يحصنه من التدهور.