[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedsabry.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]احمد صبري[/author]
”.. كانت الفترة التي أعقبت احتلال العراق لا تشبه تلك التي سبقت الغزو من حيث الدور والمهام والتوجهات، فالفوضى التي عمّت عالم الصحافة كانت مثيرة وغيرَ مسبوقة في تاريخ العراق، فلأول مرة تصدر أكثر من خمسين صحيفة ومجلة تنشر ما تشاء من دون ترخيص من الدولة التي كانت غائبة في تلك الفترة. أغلبها تعود لأشخاص ولأحزاب وطوائف.”

شكل الخامس عشر من حزيران ـ يونيو علامة مضيئة في تاريخ الصحافة العراقية؛ إذ يحتفل الصحفيون العراقيون بهذه الذكرى وهي تاريخ صدور أول صحيفة عراقية عام 1869 وهي الزوراء في عهد الوالي العثماني مدحت باشا.
ويمكن توصيف مسيرة الصحافة العراقية بمرحلتين أو عهدين، الأولى بدأت بالفترة الملكية والجمهورية، والثانية ما بعد احتلال العراق عام 2003، فالتجربتان تختلفان من حيث المهام والأهداف والتوجهات، فكل تجربة في هذين العهدين لها خصائصها ومهامها ودورها.
فبالعهد الملكي كانت الصحافة خاصة وغيرَ مملوكة للدولة يديرها أشخاص إما مستقلون أو مرتبطون برموز سياسية ممثلة بالحكومة والبرلمان لها دور في الحياة السياسية.
ورغم تخلف وسائل الطباعة والتوزيع في تلك الفترة فإن صحافة العهد الملكي كانت تتمتع إلى حد ما بقدر من المرونة والحرية التي كانت تدور في فضائها، ولعبت بعض صحف تلك الفترة دورا في تأشير مكامن الخطر بارتباط العراق بفلك الأحلاف والتبعية الأجنبية، وحرضت الشارع العراقي وعبّأته للتصدي لتلك المشاريع، يقابلها صحف كانت أداة وصوتا للمروّجين للحاكم والمبررين لسياسته.
وشهدت الفترة التي أعقبت سقوط الملكية وحتى عام 1958 صدورَ عشرات الصحف والمجلات، سرعان ما تقلصت إلى عدة صحف كان بعضها مستقلا، ويعبّر عن المعارضة لسياسة الحُكم، والأولى كانت قريبة من مصدر القرار تروّج له وتدافع عن سياسته.
وحتى لا نستغرق في التوصيف فإن الفترة التي سبقت 1968 التي تسلم فيها حزب البعث الحكم بالعراق شهدت تأميم الصحافة العراقية بــإشراف مباشر من السلطة، عبر المؤسسة العامة للصحافة التي كانت تصدر من خلالها الصحف والمجلات، وأغلبها كانت تعبّر عن وجهة النظر الرسمية إلا بعضها الذي اتخذ طابع المعارضة لسياسة الحكم آنذاك.
ولعبت الصحافة العراقية بعد العام 1968 ـ التي كانت على عدد أصابع اليد ـ دورا مهما في تعبئة الشارع العراقي في مواجهة الأخطار التي كانت تهدد العراق، متبنّية وجهة النظر الرسمية في تعاطيها مع الأحداث، خصوصا خلال الحرب العراقية ـ الإيرانية واجتياح الكويت والحصار وصولا إلى احتلال العراق عام 2003.
وكانت الفترة التي أعقبت احتلال العراق لا تشبه تلك التي سبقت الغزو من حيث الدور والمهام والتوجهات، فالفوضى التي عمّت عالم الصحافة كانت مثيرة وغيرَ مسبوقة في تاريخ العراق، فلأول مرة تصدر أكثر من خمسين صحيفة ومجلة تنشر ما تشاء من دون ترخيص من الدولة التي كانت غائبة في تلك الفترة. أغلبها تعود لأشخاص ولأحزاب وطوائف.
ودخل المال السياسي خصوصا الأجنبي من خلال تمويل ودعم أصحاب الصحف من دون مساءلة أو حتى الاكتراث من هذا المنحى الخطير الذي يتعارض مع موجبات وأخلاقيات العمل الصحفي ورسالته النبيلة وأمن الوطن وسيادته.
ورغم هذه الانتكاسة الخطيرة في مسار الصحافة العراقية فإن الكثير من الصحفيين العراقيين بقيت أقلامهم مشرعة، رفضوا إغراءات المال السياسي ومشروع الاحتلال وتمسكوا بثوابت العمل الصحفي ورسالته التي تستند إلى قول الحقيقة والدفاع عن الوطن ورفض قيود الإذلال والتبعية.
فما بين العهدين تبدلت الأدوار والمهام والتوجهات والأولويات، إلا أن الثابت هو أن الصحافة العراقية رغم ما أصابها من عثرات في العهد الثاني ستبقى صحافة وطنية حرة.